المصطلحات المسرحيَّة: علاقةٌ جدليَّةٌ وتفاعلٌ مباشر

ثقافة 2023/11/02
...

 د. علاء كريم

عديدة هي الفنون التي تتصدر عوالم الجمال في العالم، لما تمتلكه من رؤى وأشكال تعبيرية تلامس المفهوم الجمالي، الذي يتم إنشاؤه بغرض التعبير عن الإحساس أو التعبير عن الرؤية الإبداعية، فضلا عن التواصل الثقافي وتوثيق التاريخ والحفاظ على الموروث الشعبي. ويبقى فن المسرح متفرد عن بقية الفنون لما يمتلكه من عناصر مؤثرة، تعمل على إثراء الجوانب الحياتية وتعزيز الوعي والتفاعل من أجل والانفتاح على ثقافات وتجارب جديدة.

وسبب تميز فن المسرح يعود إلى انفتاحه على جميع الفنون الأخرى، ولأنه من أكثر الأشكال التعبيرية، التي تتضمن العديد من الافكار والاشتغالات، بالنسبة للكاتب والمخرج والممثل وحتى الناقد، فضلاً عن معالجته للعديد من الاشكاليات عبر تنوع اساليب ومناهج العروض المسرحية، وفي مجالات مختلفة، منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية... وغيرها. 

وعبر ما قدمه المسرح من محاكاة درامية، ظهرت العديد من المصطلحات، التي أثرت على اشتغال المنظومة المسرحية وأصبح لها التأثير الكبير في مجال كتابة النص والرؤية الإخراجية، وأيضا في الأداء التمثيلي. وبالتالي، تعرف المصطلحات المسرحية، بأنها مؤلّفات أحادية اللغة أو متعددة، تهتم برصد المصطلحات المسرحية وترتيبها وتعريفها، مع الاستعانة ببعض وسائل الإيضاح، كالصور والرسومات، قصد تقريب المفهوم للمتلقي. بداية لم يعرف العرب المسرح، لكنهم وعبر ملامستهم لهذا الفن، وأيضا من خلال ما كُتب عنه، وعن طريق مشاهدات بعضهم له في أوروبا، قاموا باستخدام مصطلحات مختلفة للتعبير عنه، منها ما سقط مع الزمن، ومنها ما ظل مستخدماً حتى اليوم، وبظهور المصطلح كـ “ممارسة” جديدة في الحياة الاجتماعية، وأيضا كـ “ظاهرة” إبداعية لها بعد فكري وجمالي في التحولات المعاصرة، والتي تتعامل مع المصطلح باللغة العربية. وهذا قد يعود إلى القرن العاشر الميلادي عندما ترجم (أرسطو) كتاب (فن الشعر) إلى اللغة السريانية ومنها إلى اللغة العربية، إذ يعد هذا الكتاب مرجعا أساسيًّا استندت عليه نظريات المسرح الغربي منذ بداياته، وذلك لما وضعه أرسطو في كتاب فن الشعر من قواعد التأليف المسرحي، وكل ما يتقارب مع هذا الفن، مستنداً بذلك على مشاهداته للعروض المسرحية التي كانت تقدم بـ (أثينا) في القرن الخامس قبل الميلاد. واستمر الاعتماد على  المصطلحات المسرحية المستخدمة في اللغة العربية لأهميتها، وأيضا للتعبير عنها عبر هذا الفن ومكوناته ومقوماته.

تعد عملية تحديد المصطلحات والمفاهيم المسرحية، وضبطها ثم توظيفها بالطريقة الصحيحة، إشكالية يمكن لها أن تحدث خلاف بالرأي بالنسبة للعلماء والباحثين وفي شتى حقول العلوم الإنسانية، لأنها عملية تتطلب نوعاً من الحرص والدقة. لذا يقتضي عند استخدام المصطلحات المعنية بالمسرح وبكل جزئياته، الالتزام بوضع كل (مصطلح) في سياق الصياغة التركيبية المناسبة له، وفي إطار اللغة التي يشتغل بها الباحث أو الفنان المسرحي، مع ما تتطلبه الترجمة للمعنى الحقيقي، وذلك لتسهيل الفهم عند بعض القراء وحتى عند المتلقي في العرض المسرحي، وفك الغموض لتسهيل عملية التلقي. وأن ضبط المصطلح هو الحجر الأساس في بناء المعرفة وتطورها، والخطأ في التعريف قد يثير إشكاليات بين المتخصصين خصوصاً في المعارف التي تدرج ضمن العلوم الإنسانية، وبالتالي تستدعي المزيد من العناية والاهتمام. لذا كانت الرغبة في دراسة المصطلح المسرحي في الثقافة العربية قديماً وحديثاً. وأحياناً نجد هناك صعوبة لغوية دقيقة في الترجمة، وهذا قد يحدث اشكالية عبر تعريف كلمتين تتقاربان في الشكل، لكنهما تختلفان في المعنى، وهذه دلالة واضحة لارتكاب خطأ له دلالته في ترجمة المعنى.

وعليه، يخضع فن المسرح وفي كل مظاهره وأشكاله إلى المنهجية العلمية، لأنه أصبح ظاهرة فكرية ومعرفية، داخل زمكانية محددة بموضوعتها ورؤيتها، التي تضم مجموعة الأبحاث والرؤى المتعلقة بفن المسرح، مثل: كتابة النص والسينوغرافيا والإخراج المسرحي، وتقنيات الممثل. 

وفي المسرح هناك علاقة جدلية وتفاعل مباشر اشتقت وتفرعت منه العديد من المصطلحات المهمة  داخل عوالم المسرح لما لها من دلالة في المعنى والشكل. فما بين مفهوم المسرحة، التي تجسد مجموعة العلامات داخل المسرحية، عبر ما هو مكتوب، وما بين مجموعة التقنيات وعناصر تكوين العرض المسرحي، لا يمكننا تجاوز التعريف بالمصطلح لإظهار المشهدية وفق نسق إخراجي، مرتبط بالشخصية وتعدد مسمياتها، وما يتقارب مع فكر عامة الناس الذين نقابلهم في حياتنا اليومية، وذلك لأن الشخصية تتصف بالتوتر والحساسية والذكاء وجذب الانتباه.. إلخ، وحتى الشخصية الكوميدية، كما وصفها “بن جونسون” ، “فينبغي أن يكون فيها شيءٌ من التطرف”. 

وفي بدايات المسرح العربي، وظّف كل من (مارون وسليم النقاش ويعقوب صنوع)، وغيرهم العديد من المصطلحات التي تلامس مفهوم الشخصية، منها: المُشخَّص، الأشخاص المقلدون، الأشخاص اللاعبون، أبطال المسرحية أو الرواية.. إلخ، ثم الممثل الذي يتفرع بالمعنى وبالعديد من الألفاظ المشابهة له، حتى وإن كانت تحمل صفات مغايرة.

كما وضع العرب المحدثون عدة معاجم مسرحية، يمكن إيرادها وفق هذا التسلسل التاريخي: مصطلحات في المسرح لمحمود تيمور- 1965. معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية لإبراهيم حمادة - 1971. قاموس المسرح: مختارات من قاموس المسرح العالمي، لإدوارد كون - 1982. معجم المصطلحات المسرحية لسمير عبد الرحمن الحلبي - 1993. المعجم المسرحي لماري إلياس، وحنان قصاب حسن - 1997. وهناك معاجم أخرى اعتمدت تعريف المصطلح في المسرح وإظهاره وفق رؤية مغايرة عن بقية أنواع الفنون الأخرى. وايضا تسعى المعاجم المسرحية، إلى نشر مصطلحات المسرح وضمان تداول مفاهيمه في أوسع نطاق لدى الجمهور، ومساعدة القارئ على امتلاك الرصيد الوظيفي للمصطلحات المتداولة في مجال المسرح، وتسهيل الصعوبات التي يواجهها طلبة المسرح.