علي حسن الفواز
لم تعد الحرب على غزة حربا تقليدية، ولا حربا محكومة بالتوصيف العسكري المجرد، بل تحولت إلى إشكالية إنسانية، وإلى صراع يكشف عن عقدة «الدولة العنصرية» في طابعها الشوفيني، وفي تعاطيها مع الآخرين / الأغيار كما تسميهم «الأدبيات اليهودية».
هذه الحرب أدخلت الشرق الأوسط في فوضى، كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وربما تعدّته إلى الشرق الأقصى، والشرق الأعلى كما حدث في مطار داغستان حينما هاجم المتظاهرون الطائرة القادمة من «تل أبيب».
تأجيج فوضى الشرق هي صناعة أميركية بامتياز، لأن «العقل» الأميركي مولَع بالفوضى الخلاقة، والفوضى العبثية، والفوضى العدمية، وكل هذه «الفوضات» تعني تعطيل الحلول، وإبقاء الجميع داخل الأزمات والصراعات، وبعيدا عن القبول بصوت العقل، الذي يعني التنظيم وحماية حقوق الناس ومصالحهم وأمنهم الوجودي والاقتصادي والاجتماعي.
ما يحدث في غزة وتفجير العنف إلى أقصاه، كشف عن عنصرية الصهيونية، وعن قصدية عنفها في تكريس تلك العنصرية، مثلما كشف عن «فشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وتغافلها عن مراعاة حقوق ومطالب الفلسطينيين كما قال الرئيس بوتين، وهذا بطبيعة الحال لا يعني تفجيرا طارئا للصراع، بل هو نتيجة لاستمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، واتّباع سياسة العزل والقتل المنهجي، والذي يجد في دعم الولايات المتحدة ودول الغرب دافعا وغرورا في تواصله، وفي تجاوزه لأعراف المنظمات الدولية، وقراراتها الداعية إلى حماية المدنيين ومنح الحقوق
الإنسانية والقانونية.
تشويه الشرق، وتحويله إلى بؤرة ساخنة، يحمل معه نُذرا لسياسات قهرية تقوم على فرض نظرية «التابع والمتبوع» وقطع الطريق على أية تحالفات فاعلة، اقتصادية أو أمنية أو سياسية، فما يجري ليس بريئا، وليس بعيدا عن النجاحات التي بدأت تلوح في الأفق، لاسيما بعد أن تعزز تحالف بريكس الاقتصادي الذي يضم دولا شرقية مثل روسيا والصين والهند، وتحالف شنغهاي الاقتصادي، والبدء بتنفيذ طريق الحرير الصيني، فضلا عن التغيرات في المواقف التي أخذت تمارسها بعض دول المنطقة، والتي تنطلق من المصالح، وليس من ذاكرة الهيمنة التي توهمت الولايات المتحدة أنها قد فرضتها، وأحسب أن التظاهرات التي تجتاح العالم ضد العدوان على غزة، لاسيما في الولايات المتحدة، ومن الجماعات ذات الأصول الأفريقية والشرقية، ستجد صداها في خيارات الانتخابات الرئاسية التي ستُقام في الولايات المتحدة، فضلا عن مواقف جديدة تزيد من حجم مساحة الرفض لسياسات العدوان والعنف والكراهية وعسكرة الشرق، لاسيما بعد إرسال الولايات المتحدة حاملتي طائرات، وإرسال فرنسا غواصة نووية، الخطوة التي انتقدها الرئيس التركي وعدّها من الخطوات الخاطئة، وكذلك التصريحات الإسبانية الرسمية الرافضة لحجم الجريمة الإنسانية، وربما ستكون هناك مواقف أخرى تجعل من الشرق السحري
شرقا للشياطين المحاربة.