حرب المستشفيات

قضايا عربية ودولية 2023/11/05
...

علي حسن الفواز

تغوّل عدوان الكيان الإسرائيلي على قطّاع غزة يكشف عن مدى الرعب الذي يعيشه هذا الكيان، وهوسه بالجريمة العنصرية، وعن مدى استهتاره بالمواثيق الدولية وسياقات الاشتباك في الحروب، ولعل قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف دليل على القصدية الفاضحة لهذا العدوان، وفي التعبير عن مواقفه، وعن سياساته، وعن طبيعة العقل الفاشستي الذي يقف وراءه، فمجزرة مستشفى المعمدان التي راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد وجريح، تستكمل صورتها البشعة مع قصف مجمعي الشفاء والإندنوسي الطبيين، فضلا عن جريمة قصف سيارتي إسعاف تنقلان جرحى إلى معبر رفح البحري، التي راح ضحيتها 13 شهيدا، وإصابة 26 آخرين، وهو ما أكده رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر فرانشيسكو روكا، بالقول «إن مشاهد الهجمات على المرضى وسيارات الإسعاف قرب مستشفى الشفاء بغزة مرعبة ولا يمكن قبولها»، فضلا عما أشار إليه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وشعوره بالصدمة الشديدة إزاء ما حدث جرّاء هذا الهجوم، مؤكدا على «وجوب حماية المرضى والعاملين الصحيين والمرافق وسيارات الإسعاف في جميع الأوقات».
فضح هذه المجازر، وتعرية أهدافها، وتزايد الشهود على طابعها العنصري، تضع علامات استفهام كبيرة إزاء المواقف الأميركية والغربية، التي ترفض الاعتراف بها، وتمنع أي جهد دولي وإقليمي لإيقاف إطلاق النار، بما فيها إجراءات تنفيذ القرار الأممي الأخير الخاص بإعلان هدنة إنسانية في قطاع غزة، والذي رفضه الكيان الإسرائيلي، وإصراره على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين في القطاع.
تجاوز المُحرّم، واستخدام الممنوع من الأسلحة، وحتى قتل الصحفيين، تمثل مشاهد فاقت في واقعيتها ما كان يحدث في الحرب العالمية، بما يجعل موضوع الجريمة الصهيونية تمثيلا للشوفينية والعنصرية التي باتت تحكم خيارات “العسكرة الصهيونية” وتحوّلها إلى فضائح كبرى، لها شهودها وضحاياها، فما تنشره وكالات الأنباء والقنوات الفضائية من مجازر ومن استهدافات للقطاعات المدنية تحوّلت إلى وثائق إدانة، تفضح سيناريوهات العدوان وأهدافه التي تقوم على أساس تضييع الحق الفلسطيني وطمس قضيته التاريخية، وتشريد شعبه إلى منافٍ جديدة.
إن حرب المستشفيات هي الحرب الملعونة التي أقدَم عليها الصهاينة، وكأنهم يقتلون معها الحياة والأمل، والقانون الدولي، ويسوّغون لهذه الحرب أطروحات تفضحها الوقائع والوثائق، والشهادات الدولية التي أكدت بعضها منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لين هاستينغز، مُعبّرة عن صدمتها “بأن القصف استهدف مرضى كان من المقرر إجلاؤهم إلى بر الأمان”، وبالتالي جعل من المستشفيات والفرق الطبية وسيارات الإسعاف وطواقمها أهدافا لهذا العدوان الإجرامي المفتوح.