علي حمود الحسن
لا متعة تضاهي مشاهدة فيلم لمارتن سكورسيزي، هذا ما شعرت به وأنا أتابع أحداث فيلمه الملحمي الجديد " قتلة زهرة القمر" (2023)، المقتبس من رواية الكاتب والصحفي الاستقصائي ديفيد غران، الذي وثّق فيه لوقائع إبادة البيض العنصريين للسكان الأصليين من قبائل الأوساج بوحشية غير مسبوقة، والاستحواذ على أموالهم وممتلكاتهم المهولة، بعد اكتشاف النفط في باطن أراضيهم "الطابو"، أسهم سكورسيزي مع كاتب السيناريو إريك روث في أفلمة الرواية الصادرة في العام 2017 وتكيفها، ليسردها بصريا على مدار 3 ساعات و26 دقيقة، وهو زمن طويل أثار امتعاض البعض من الجمهور إلى حد وصفه بالممل، فيما عده النقاد زمنا يليق بملحمة سكورسيزي الحزينة، الفيلم صوره روديكو بريتو (الايرلندي) ومنتجته الماهرة شوثيلما شونميكر (ثلاث جوائز أوسكار) وأدى ادواره ممثلو سكورسيزي المفضلون روبرت ودي نير، ويوناردو دي كابريو، فضلا عن عشرات الممثلين والفنيين. .
الفيلم الذي تدور أحداثه في مدينة فركاس بمقاطعة أوساج/ أوكلاهموما بدايات القرن الماضي، يحكي قصة الموت الحزين والمنظم لأسر الأوساج فائقي الثراء، الذين وجدوا أنفسهم أغنى أغنياء العالم، بعد اكتشاف النفط في أراضيهم العقيمة عديمة الفائدة التي أجبرهم على العيش فيها البيض العنصريون، فعاشوا برفاهية وامتلكوا القصور والسيارات والطائرات، ما اثار غضب البيض العنصريين، فاجترحوا قانونًا صنفهم بأنهم فاقدو أهلية إدارة أموالهم، ما يتوجب عليهم اختيار رجلا أبيض وصيا على شؤونهم، لتبدأ تصفيتهم الجسدية من خلال القتل ودس السم أو اجبارهم على الانتحار فتؤول ممتلكاتهم إلى من يتزوج من أسرهم، أشرف على هذه الجريمة البشعة غير المسبوقة شخص يدعى وليم هال ويلقب بملك التلال (روبرت دي نيرو)، تنجح سيدة تدعى مولي بإيصال صوتها إلى الحكومة الفيدرالية، فيتم التحقيق بهذه الجرائم ويكتشف الجناة.
قدم صاحب " عصابات نيويورك" حكايته وأنهاها بتحية لشعب الأوساج، من خلال توثيق عاداتهم وتقاليدهم ونمط عيشهم بطريقة اقرب إلى التسجيلية، وبخط سردي متداخل ترويه أصوات متعددة لرواة مشاركين، وان كان معظمهم من البيض، إلا أن انحياز سكورسيزي كان واضحا للأوساج، الخط السردي الرئيسي في الفيلم هو العلاقة الإشكالية والملتبسة بين مولي(ليلى جلادستون) الهندية الثرية، التي ترى أسرتها تتساقط قتلا ومرضا وزوجها ارنست (دي كابرو) الجندي المهزوم والهارب من الحرب العالمية الأولى الساذج والبليد المطيع لخاله الرهيب ملك التلال، والذي يعاني من شرخ سيكولوجي، فهو يحب زوجته ويحنو عليها وعلى طفليهما، وفي الوقت ذاته يواظب على دس السم اليها مع جرعات الأنسولين، مولي هي الأخرى عشقت زوجها بجنون وإن ارتابت بما يفعل، هؤلاء الممثلون العظام ومصور عبقري (رودريكو بريتو) يعرف "دمارات" سكورسيزي، ومونتير حاذقة (ثيلما شونميكر)، أنقذ الفيلم من الترهل والممل على مدار زمنه الطويل.