* لنبدأ من كونك عالم أعصاب، دكتور. ما هو علم الأعصاب؟

ــ “علم الأعصاب ببساطة دراسة الدماغ والجهاز العصبي. وهو فرع من البايولوجيا، لكنه يدمج في ذلك أيضاً جوانب من السايكولوجيا، وعلم النفس، وعلم الأحياء neurobiology. إنه أي شيء يجري في الدماغ والجهاز العصبي تحت مظلة علم الأعصاب”.

 

*  وقد درست الاكتئاب كعالم أعصاب؟

ــ “أجل، وهو ما قدّمتُ أطروحتي عنه. والجانب الذي أهتم به من علم الأعصاب أكثر من غيره  يرتكز على الأساس العصبي لأمزجتنا وانفعالاتنا، وتصرفاتنا، وأمراضنا النفسية. وتعالج مقالاتي الشيزوفرينيا إضافةً لاضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب الذي له أساس كبير في علم الأعصاب والذي لا نفهم لحد الآن ما يجري معه في الدماغ تماماً”.

 

*  هل يمكن قول الشيء نفسه عن القلق بقدر ما يجري في الدماغ؟

ــ “أجل، هناك قدر من التوافق بين القلق والاكتئاب وفقاً لعلم الأعصاب والبايولوجيا أو علم الأحياء اللذين يكمنان خلفهما. وبضمن ذلك عدد من مناطق الدماغ نفسها. على سبيل المثال، اللوزة amygdala التي غالباً ما تدعى مركز الخوف الدماغي، لكنها متضمَّنة في عدد من التعابير الانفعالية، وتلك واحدة من مناطق الانفعال اللبّية في الدماغ، وتلعب دوراً في كلٍّ من الاكتئاب والقلق. فقط هناك قدر من التداخل في مناطق الدماغ، وكيمياء عصبية تستند عليها هذه الاضطرابات وهي واحدة من الأسباب وراء كون القلق أحد سمات الاكتئاب الأكثر شيوعاً، وغالباً ما يحدثان بصورة 

مشتركة معاً. 

 

*  يحسب بعض الناس الاكتئاب حزناً. هل هناك، في هذا الإطار، مناطق من الدماغ  تختص بالحزن مختلفة عن تلك الخاصة بالاكتئاب السريري؟

ــ “يوجد قدر من التداخل بين الحزن والاكتئاب، لكن ما لدى الناس من سوء الفهم هنا هو أننا نستخدم التعبيرين، الاكتئاب والحزن، في قولنا “أشعر بأني مكتئب” أو، “أشعر بأني حزين”، على النحو الدارج، بصورة متبادلة جداً. لكنهما مختلفان كثيراً، من الناحية الطبية أو من ناحية علم الأعصاب.

إن الاكتئاب وتشخيص الاكتئاب هما أكثر من الحزن البسيط. وفي الواقع، فإن عدداً من الناس الذين يعانون من الاكتئاب لا يشعرون بالحزن في حد ذاته. غالباً ما يشعرون بالفراغ حيث ينبغي أن يكون هناك انفعال. كما أن لديهم أعراضاً أخرى مثل اليأس، ومشاعر الخذلان، والذنب، والخجل، والعزلة، ويمكن أن يكون القلق 

جزءاً من ذلك. 

وقد يكون لديهم إرهاق، ومشاكل في الإغفاء أو البقاء نائمين أو حتى نائمين كثيراً. وعموماً، فإن الأمور التي اعتادوا أن يجدوها ممتعة ما عادوا يجدونها كذلك. فكل شيءٍ يبدو لهم غاية في الصعوبة فقط.

وأنا أميل للنظر إلى الاكتئاب كزحام حركة المرور. فعندما تدخل في زحام مروري يكون هناك حادث في بعض الأحيان. فتتوقف السيارات، وتجلس في مكانك وتنتظر. ولا تعرف كم سيطول هذا الازدحام. لكن ذلك بالنسبة لمعظم الناس مجرد توقّف قليل في طريقهم. لكنه بالنسبة للمصابين بالاكتئاب، أمر لا يمكن لدماغهم أن يهرب منه تماماً. وهم يستطيعون أن يحاولوا ويحاولوا، إلا أن دماغهم يظل عالقاً في ذلك النشاط الذي يستمر ببطءٍ فقط، مثلما يستمر زحام المرور

 ليس غير. 

 

*  ذلك شرح عظيم لتجربة الاكتئاب ــ ما يجري في الدماغ وعلى الصعيد السايكولوجي معاً. وأعتقد بأن الناس يودّون معرفة بعض أسباب الاكتئاب. فكثيرون ممّن تم تشخيصهم في الغالب يحاولون أن يصورا ذلك لأنفسهم.

ــ “يمكن أن تكون للاكتئاب أسباب مختلفة كثيرة جداً. وقد يساعدنا ما يحدث في حالة الازدحام المروري على فهم الاكتئاب. فحين ترى ازدحاماً في حركة مرور، يمكن أن تقول لنفسك، “هَه، ما الذي تسبب في ذلك؟” حسناً، إن زحام المرور يمكن أن ينشأ من أي سبب. 

فهناك، مثلاً، إنشاءات على الطريق السريع، أو حادث، وهناك المطر الغزير أو الضباب، وقد يحدث لمغادرة كثير من الناس عملهم في الوقت 

نفسه. 

فليس هناك “سبب” محدد، إنه مجرد تداخل بين كل تلك السيارات ــ تداخل ديناميكي ــ يبلغ الذروة فقط.

والحال نفسها مع الاكتئاب: يمكن أن ينجم في الغالب عن حادث حياتي كبير مثل الطلاق، الانهيار، الموت في العائلة. 

أو حوادث أصغر مثل ارتباك عاطفي ملحوظ أو عدم الحصول على دعمٍ أو

| ارتقاءٍ ما. 

لكنه في الغالب غير ناجم عن شيء. إنه فقط التداخل الديناميكي لدوائر دماغ المرء بعضها مع البعض الآخر، بالارتباط مع مجموع ظروف حياته الحالية، وهو الذي يجعل الدماغ يعلَق في نموذج معين من النشاط والرجعية reactivity (أي الميل للرجوع إلى أمرٍ ما).

وهو ما يحدث لبعض الأشخاص أكثر من غيرهم لمجرد أن أدمغة هؤلاء الأشخاص أكثر تعرضاً لخطر الوقوع في ذلك النموذج.

 عن / lawyerswithdepression