محاولة الغرب لاختراع إسرائیل من جدید

قضايا عربية ودولية 2023/11/06
...

• حمید دباشي

ترجمة: آمال أریحي


الحملة العسكرية الوحشية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد غزة تعکس وحشية الاستعمار الأميركي والأوروبي في مختلف أنحاء العالم.

منذ سنوات، عندما کان جو بایدن عضواً شاباً في مجلس الشیوخ الأميرکي عن ولایة دیلاویر قال عبارته المشهورة: "إنها أفضل استثماراتنا بقیمة 3 ملیارات دولار. لو لم تکن هناك إسرائیل، کان على الولایات المتحدة اختراع إسرائیل لحمایة مصالحها في المنطقة".

وکرر بایدن هذا القول مؤخراً والذي يبدو أنه یعتبره ذکياً جداً. فبالنسبة له وللولایات المتحدة بشکل عام، إن إسرائیل عبارة عن عقار تجاري باهظ الثمن: قاعدة عسکریة وحاملة طائرات ثابتة، وعلی هذا النحو، فإنها "استثمار" رئیسي في مشاريع واشنطن الوهمیة لحکم المنطقة والعالم.

وبالطبع، قول بایدن لا یعني شیئاً. لقد تم اختراع إسرائيل بالفعل قبل تصریحه بذلك. بايدن لا یجید التعابیر الأدبیة کثیراً. لكن رغبته في اختراع إسرائيل كانت تشير إلى الحقيقة التاريخية المتمثلة في أن تلك المستعمرة الاستيطانية كانت بالفعل اختراعًا.

وعلى مدى الأسابیع الماضية، عملت الولايات المتحدة على تمكين وتقویة آلة عسكرية إسرائيلية شرسة، مما أدی إلى إعادة اختراع إسرائيل أكثر شراسة وعنفاً.

وبعد أن اخترق المقاتلون الفلسطينيون سياج غزة وهاجموا إسرائيل في 7 تشرين الأول، ما أسفر عن مقتل وأسر مئات الإسرائيليين، ردت إسرائيل بسرعة وبشكل غير متناسب، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من خمسة أضعاف عدد الإسرائيليين  في نحو أسبوعين، في سلسلة متواصلة من الغارات الجوية. تعمل حكومات الولايات المتحدة وأوروبا على إعادة اختراع إسرائيل "جديدة ومحسنة": الصورة المثالية لتاريخهم المستمر من الوحشية الاستعمارية والإمبريالية في مختلف أنحاء العالم. إنَّ ما تفعله إسرائيل الآن في غزة يعكس ما فعله الفرنسيون والبريطانيون والبرتغاليون والألمان والإسبان والأميركيون وغيرهم في جميع أنحاء العالم عبر التاريخ.

لقد أصبح الفلسطينيون في غزة الآن خلاصة المعاناة العالمية على أيدي الأوروبيين والأميركيين.

كان الهجوم الذي شنه المقاتلون الفلسطينيون في 7 تشرين الأول مشهداً صادماً. وبعد أن تجاهلت وسائل الإعلام الغربية معاناة الفلسطينيين على مدى أجيال، سارعت إلى عرض صور وأوصاف لهذا الهجوم، مما ساعد في خلق الدعم العام للرد الساحق من جانب إسرائيل.

ويبدو أن الجهود المتضافرة تركز الآن على إعادة اختراع إسرائيل ليس كمستعمرة استيطانية أوروبية، وهو ما كان سيخترعه بايدن لو لم تكن موجودة بالفعل، ولكن كنموذج للبراءة والانتقام العادل - وكل ذلك بمساعدة وتواطؤ من دولة تجرم دعم القضية الفلسطينية.

وفي إعادة اختراع إسرائيل هذه، فإن تساوي فلسطين بـ"حماس"، و"حماس" بـ"داعش"، مصمم بشکل جید تمهيداً للإبادة الجماعية الجارية في غزة. وهو مقدمة للتفریغ الممنهج للقضية الفلسطينية من السیاسة، وتحویلها من حركة تحرر وطني إلى أزمة إنسانية.

ومع ذلك، فإن القضية الفلسطينية هي مسار مستمر للتحرر الوطني من مشروع استعماري أوروبي وحشي. إنها ليست أزمة إنسانية. "حماس هي مجرد عنصر واحد من مجموعة القوى المنخرطة في هذه الحركة، وهي ليست العنصر النهائي".

هناك تاريخ طويل من المقاومة الفلسطينية اللاعنفية، والتي تتمثل بشكل أفضل في حملة مقاطعة المنتجات الإسرائیلیة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات واسعة النطاق، والتي اكتسبت شعبية في جميع أنحاء العالم.

وفي المقابل، أصبحت العنصریة المتطرفة تهيمن على السياسة الإسرائيلية. ولكن حتى بالنسبة للصهيوني الملتزم، سيكون من الصعب عدم ملاحظة الوحشية الإمبريالية المتأصلة في تأكيد بايدن على "اختراع" إسرائيل - ليس  باعتبارها ملاذاً يهودياً من تاريخ مستمر من الوحشية الأوروبية التي بلغت ذروتها بالهولوكوست - بل كقاعدة عسكرية لحماية المصالح العلیا لإمبراطورية فاشلة.

إعادة اختراع إسرائيل هى اهتمام صهيوني دائم، ويستند إلى وعي تاريخي غريب ينتقي أجزاء من الماضي البعيد، في حين يتجنب أي تذكير بتاريخ إسرائيل الحدیث من الفظائع الإجرامية ضد الفلسطينيين. واليوم، بدأ تاريخها الحديث في 7 تشرين الأول، والذي أُطلق عليه اسم "11 سبتمبر" الإسرائيلي، وتجري الآن نكبة ثانية ليشاهدها العالم بأسره.

ولكن لا يمكن لأي إعادة اختراع لإسرائيل أن تصمد أمام عزيمة الفلسطينيين الصلبة. إن العالم الآن يرى إسرائيل على حقيقتها: آلة قتل شرسة تواجه أمة لا تقهر ولن تستسلم أبداً.


• عن میدل إیست آي