أحمد عبد الحسين
كلّ الكلام الحقيقيّ الذي يجب أن يقال عن إسرائيل ممنوع أو ممتنِع.
ممنوع لأنّ التهمة تنتظرك في المنعطف المقبل: معاداة الساميّة. وهي تهمة أصبحتْ قانوناً عالمياً بعقوبات صارمة، وهي مفصّلة تفصيلاً بخبث ودهاء كبيرين لمنع قول أيّ شيء صادقٍ عن كيان مجرم أُسّس بظلم ونما بظلم واشتدّ عوده بشرب الدم.
ومُمتنِع لأنّ مقاربة الحديث عن هذا الكيان لا بدّ أن تتخذ لها مسارب عقيدية دينية، فهو كيانٌ دينيّ ينزح من بئر سحيقة مظلمة ملأى بالأساطير والهوامات والخرافات وبأرذل ما أنتجه الإنسان من شرور. ومن المحال الاكتفاء بكلام السياسة أو الفكر عنه لأنه لن يستوفي الموضوع الذي إنْ لم يكنْ مردوداً إلى جذوره فسيكون ناقصاً.
لا تُفهم إسرائيل إلا بالعودة إلى أصلها الدينيّ الذي يمكن تلخيصه بجملة واحدة: الرؤيا القيامية.
الميّزة الأبرز للإرهاب، لدى الجماعات والأفراد، أنه يستعجل القيامة، لا يطيق انتظارها فيعمل على جلبها لنفسه وللآخرين، مع أن الانتظار في الإسلام عبادة، بل من أفضل العبادات، وقد مُدِح المنتظرون بلسان النبيّ وأوليائه مراراً. وهذا هو الفارق الجليّ بين التديّن والإرهاب.
دينُ الكيان الغاصب دينٌ قياميّ، ومسيحهم الذي ينتظرونه لن يأتي إلا مع حلول كارثة كوكبيّة كبرى، "في التسعينات طالب بعض الحاخامات بتسمية نتنياهو مسيحاً لتحلّ القيامة على العالم سريعاً"، ولهذا فهم يعملون بدأب على أن تكون الأرض كلها في قبضة الشيطان لتأتي قيامتهم التي تنبأ بها حزقيال وإشعيا وسواهما من الأنبياء.
لا أستطيع فهم تصريح وزير التراث الإسرائيليّ "عميحاي إلياهو" أمس حول ضرب غزة بقنبلة نووية إلا في هذا الإطار، في إطار الهاجس القياميّ المشدود إلى نبؤات حزقيال والممتدّ إلى رؤية عالمٍ خربٍ لا بشر فيه إلا شعب الله المختار.
من يعرف دور الأساطير في صناعة هذا الكيان وفي رسم هويته، سيعرف حتماً أنّ القوة النووية نتاج قوة نبويّة. وأنّ التصاميم الأوليّة لمفاعل ديمونة كان في صفحة صفراء كُتبها مسبيون حاقدون هنا، على أنهار بابل!