*عدنان الفضلي
يواصل الباحث والمترجم (أمير دوشي) مشروعه الترجمي والكتابي، فهو من المترجمين الباحثين عن كل ما له علاقة بتحفيز الوعي، والتوغل بعيداً في مطارة كل ما يستجد من البحث والتقصي على مستوى الكتابة العالميَّة.
مؤخرًا صدر عن (دار السومري) كتاب جديد للمترجم أمير دوشي بعنوان (باب محترق – أوراق ثقافيّة) وهو عبارة عن مجموعة مقالات للكاتب نفسه فضلًا عن مقالات كتبها عدة باحثين وكتّاب وصحفيين أجانب قام دوشي بترجمتها.
وجاء الكتاب في أكثر من مئة وثمانين صفحة من القطع المتوسط، ويضم الكتاب سبعة مقالات مع مقدمة كتبها الشاعر (سمير صالح) كانت بمثابة تمهيد لما كتبه صاحب الكتاب.
في المقدمة والتي جاءت بعنوان (بطاقة) يكتب الشاعر سمير صالح تعريفاً باشتغالات أمير دوشي المعرفيّة، سواء كانت مقالات شخصية أو مترجمة عن مقالات أجنبية حيث يقول: "باب محترق هو سياحة ثرّة وإغناء في مجالات عديدة، في السياسة والثقافة والأدب والمعرفة، فهو كتاب متشعّب ومغنٍ، يحاور كبار المثقفين بعيداً عن الإبهام واللبس، بلغة يسيرة ومتداولة، لغة تفتح آفاقاً للتأمل والحوار في تجاوز المحظور في الثقافة المحليّة".
المقال الأول الذي كتبه دوشي جاء بعنوان (باب محترق – زمن متوقف) وهو مقال يميل للتاريخيّة على حساب الوثائقيّة، حيث يسرد دوشي مجموعة من الأحداث السياسيّة التي مرت بالعراق والتي كان من ضمنها حكاية لقاء وزير الخارجية العراقي في زمن البعث (طارق عزيز) بالرئيس السوفيتي (غورباتشوف) عام 1990 بعد دخول العراق للكويت حيث يسرد دوشي تلك الحكاية بالقول "عام 1990 .
بعد شهر من دخول العراق الى الكويت، التقى الرئيس السوفيتي غورباتشوف بوزير خارجية العراق طارق عزيز، يوم 5 أيلول 1990، وقال له: إننا نقر، وأنتم يجب أن تقروا بأن الأمريكان لديهم مصالح حيوية في الشرق الأوسط، اننا من جانبنا نعترف بهذه المصالح، ونعرف أن الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام القوة إذا تعرضت مصالحها للتهديد. ونحن في الاتحاد السوفيتي لا نستطيع أن نفعل شيئا في هذا، وأنتم في العراق لا بدّ لكم أن تجروا حساباتكم لموقفكم على هذا الأساس".
المقال الثاني جاء بعنوان (أسئلة الحقيقة – الحاشية والتأويل لخطاب أدوارد سعيد) وقد كتبه دوشي بنفسه، وفيه دراسة واستقراء لعوالم المفكر أدوارد سعيد، وفي المقال نجد دوشي وقد توغل في هذه العوامل، مؤكداً عبقرية هذا المفكر الكبير حيث يقول: "ترك سعيد إرثاً فكريّاً ما يزال يحتفظ بقيمته رغم مرور الزمن، فكراً قابلاً للبناء فوقه، وهو الذي أحب أن يبني الآخرون على أفكاره ولا يكتفون بتكرارها، فقد كان لفكر سعيد حضور متواصل ومصدر إلهام لا متناهٍ للتساؤل المعرفي والتخصيب الثقافي، لكن في عصرنا، عصر ما بعد الحقيقة، ما زال هنالك الكثير لنعمل العقل بما يجب أن نفكر فيه، وماذا نقول، وماذا نفعل".
المقال الثالث كان مخصصاً أيضاً لعوالم أدوارد سعيد وكتبه مع تناول آخر لاشتغالات الكاتبة والروائية اللبنانية (دومنيك إده) المختصة بتجربة أدوارد، وقد جاء بعنوان (صورة المفكر الناقد في سرد عاشقة - أدوارد سعيد ودومنيك إده) وهو اشتغال مختلف للكاتب عما ورد في مقاله السابق، فهو يتحدث أيضاً عما كتبته دومنيك عن أدوارد، حيث يورد دوشي ما نصه "تقدم الروائيّة والكاتبة اللبنانية دومينيك إدة، عرضًا رائعًا وجديدًا لأعماله من أوائل كتاباته عن جوزيف كونراد إلى أشهر نصوصه، الاستشراق والثقافة والإمبريالية. تنسج "إده" روايات عن نشأة ومحتوى عمل سعيد، وتطوره الفكري، وتأملاتها الخاصة وذكرياتها الشخصية عن صداقتهما، والتي بدأت في عام 1978 واستمرت حتى وفاة سعيد في عام 2003".
المقال الرابع الذي ورد في الكتاب جاء بعنوان (البير كامو والتخيلات الإمبراطورية/ مقابلة مع أوليفر جلاج) وهو حوار (دانيال فين) من مجلة (جاكوبين) مع (أوليفر جلاج) وهو أستاذ مشارك للدراسات الفرنسية والفرانكفونية في جامعة (نورث كارولينا)، كما انه مؤلف كتاب ألبير كامو: ضمن سلسلة كتب (مقدمة قصيرة جدًا). وقد قام بترجمة الحوار أمير
دوشي.
المقال الخامس في الكتاب كان عبارة عن ترجمة لمقال كتبه (ألن غرو ريشار) كان عنوانه (بلاط السلطان – الهوامات الغربية عن الشرق) وهو مقال يقترب من المفهوم الجديد للدولة، والمجتمع المدني والحريات الديمقراطية والمواطنة وتقسيم السلطة وجاء في المقال "يبدو أن هوام الاستبداد الشرقي محكوم بأقصى مسافة في ما يتعلق بواقعنا الأوروبي، ولكن في الوقت نفسه قريب بشكل غريب.
وهو بعيدة جغرافيا، ولهو ميزات مختلفة قدر الإمكان عن تلك الموجودة في مجتمعنا، ويبدو أنه يتغلغل بجودة خارقة، كلاهما مرعب، وجذابة للهوام من خلال جاذبيّة لا تقاوم، تتعلق، بكلمات فرويد".
المقال السادس وهو مقال مترجم أيضاً للكاتب السلوفيني (جيجيك سلافوي) قام بترجمته أمير دوشي، وهذا المقال عبارة عن قراءة في عمل روائي للروائية الشهيرة (أجاثا كريستي) وأقصد رواية (مسافر الى فرانكفورت) حيث نجد عنوان الرواية موجوداً في عنوان المقال (مسافر الى فرانكفورت/ ما عرفته أجاثا كريستي) ومن هذا المقال الرائع نقتطع ما نصه "لم يعد من الممكن كتابة روايات بوليسية لا تزال تفترض مسبقًا مجتمعًا مستقرًا قائماً على القانون والنظام".
المقال الأخير في هذا الكتاب الشيّق جاء بعنوان (غياب الفرد.. هيمنة الجماعة( وهو يتضمن قراءة في كتاب الروائي خضير فليح الزيدي (أمكنة تدعى نحن)، إذ يقدم لنا دوشي قراءة مختلفة لهذا الكتاب حيث يقول: "في كتاب خضير فليح الزيدي الأخير (أمكنة تدعى نحن) يطوف بنا عبر بوابات أمكنته الست عشرة في أروقة وسياحة وأطلال ذات خصوصيّة محليّة تكتسب بريق لمعانها لقدرته في حفريات ونصوص تحمل صفة أدب الأمكنة كسرديات
مغايرة.