كيف يحصل الكتّاب على أفكارهم؟

ثقافة 2023/11/09
...

 بغداد: نوارة محمد

يظن البعض أن الفكرة الأولى التي تراود أذهان الكتاب هي أهم ركائز النصوص، ويرى آخرون أن دائرة الوعي لدى الكاتب هي أساس قدرته على تقديم رؤى وأطروحات وتفسيرات جديدة عن الحياة، لكن الكثير منهم يعد الكتابة نتاج الارتباط بالعالم الخارجي، وهي أيضا وليدة لحظة خاصة لها مخاضها وتبعاتها. في هذا الصدد، يعتقد الكاتب خضير الزيدي بأن الفكرة الإبداعية منطقة غير مألوفة لدى القارئ، وهي التي تتمكن من جذبه وتثير اهتمامه. وأوضح أن “الكتابة مسؤولية، ولزاماً أن تكون أفكارنا جزءا مهماً من تلك المسؤولية التي ننشدها”.

ويشير إلى أنّ ما يحيطنا من هول يحتاج لتأمل، فقد تولد منه فكرة كتابة موضوع معين، “لكن الكتابة إذا ما مارست دورها في تجسيد أطروحة متكاملة ستظل الفكرة منقوصة في التعريف ونقل المشاعر وهي تحمل مساحة من البلاغة، وحتى يحقق الكاتب التأثير  في قرائه يؤكد الزيدي أهمية التركيز على التماس مع المجتمع  من خلال ملاءمة أفكاره لبيئته وقيم مجتمعه وعاداته”، بحسب تعبيره.
ويتابع أن الأفكار التي هي حصيلة الاندماج مع المجتمع والتماس مع شخوصه، هي وليدة لحظة خاصة لها مخاضها وتبعاتها. ويقول: شخصيا أعيش لحظات قلق تجاه معرفة الحياة والموت، وغالبا ما أفكر كيف أعيش بأمن، بينما غيري لم يسلم من دمار الطائرات، لذا أفكر في كتابة قصة عن أفكار غامضة تعشش في مخيلتي، لأن هذه الأفكار لازمتني منذ صباي ومنذ تعلمت الشعر وفهمته.
ويرى أن الأفكار تولد في لحظة غامضة، وعلى المرء أن يدونها في ذاكرته ووجدانه، ولكن لا يمكن عد كل فكرة بأمر قابل للتوظيف فنياً عبر طاقة الكتابة، “ما يحيطنا مليء بالأفكار الساخنة، ولكن من يعي أن الكتابة عاجزة أمام الكثير من الأفكار”.
وبدوره يقول الروائي ضياء الخالدي: كلما اتسعت دائرة الوعي لدى الكاتب، كلما استطاع أن يستلهم أفكاراً بنّاءة، وقادرة على تقديم وجهة نظر جديدة بالوقائع والتفسيرات. وبالتالي، تكون هذه الأفكار نابعة من هذا الزخم، وليست خارجة عن ذات الكاتب.
ويضيف أن “الفكرة لا تتعلق بالمعنى المحض لها فقط، بل باللغة المعبّرة التي تنقلها، وطريقة التقديم التي تجعلها مؤثرة، وجمالية الأسلوب، وغيرها من التفاصيل المتعلقة بالكتابة. وهذا كله نتاج وعي شديد الحساسية بالإنسان والعالم، وثقافة موسوعية تضع الكاتب في موطئ قدم سليم، وآمن من سجون ثقافتنا الأولى”.
 وحول التحديات التي تواجهه في الوصول إلى الفكرة خلال الكتابة في الرواية يتابع الخالدي بأن “الأفكار ليست لقى نحاول البحث عنها هنا وهناك، بل هي من تأتي طواعية في النهاية، لأنها نتيجة تأملات ثاقبة، وقراءات حرة حول الحياة. نحن نريد التعبير ومشاركة الآخرين ما نُفكر به، لأننا نزعم امتلاكنا رؤية مغايرة للسائد. وكلما كان الكاتب حراً، كانت أفكاره تهم شريحة واسعة من البشر، مهما اختلفت لغاتهم وبيئاتهم.»
وفي هذا الإطار يذكر الخالدي “أفكاري في الروايات والقصص تنبع من نقطة وصولي إلى منطقة ما. وهذه المنطقة مزيج من الأسئلة والتفسيرات والهواجس والتأملات. وتقف فيها ذاتي في آخر مكان لها، قبل المغادرة إلى مكان آخر في المستقبل، فرحلة الإنسان صوب المعرفة والاكتشافات لا نهاية لها، ما دام الفضول حاضراً.»
 هناك من يرى أن الأفكار تولد بسيطة، ثم تترابط لتصبح مركبة وبناء على المعرفة التي تتولد من الحواس والتجارب تولد أفكاراً جديدة لدى أي إنسان، أما الكاتب فهو ينمي العين الثالثة التي ترى برؤية الطائر، وهو يرى الصورة الجماعية للمكان كما ترى الشاعرة الاديبة الدكتورة سلامة الصالحي.
وتوضح: تنتج كل هذه الأفكار والرؤى من مصادر هي القراءة المتواصلة والتجارب الحياتية والإنسانية والحدس، وكذلك التنبؤات التي هي ينابيع معرفية لا يعرف مصدرها. وتقول: كتجربة كتابة لعبت هذه المصادر دوراً كبيرا في إنتاجي الإبداعي، ولكن تظل الموهبة والمقدرة هي المحرك لفعل الكتابة.