سيكولوجية الجدل بين التحضر والتخلف

آراء 2019/05/13
...

د. سعد العبيد
يبدأت المجتمعات واقعاً محدوداً، نظر اليه أصحابه في وقته، الأكثر تحضراً، ونظر اليه من جاء بعدهم وطوروا حالهم، أنه بات من الماضي، أي متخلفاً، لأن زمنه قد مضى وان بقاء صيغته الماضية فاعلة في الحاضر، لا تناسب وقع العيش وحياة الحاضر، وبالتالي سيكون من يتمسك به سلوكاً، بحكم الوصف متخلفاً.... لفض أو وصف أثار جدلاً واسعاً في المجتمع العراقي عندما جاء على لسان نائب في البرلمان (السيدة هيفاء الأمين).
انه موضوع إذا ما تم النظر اليه من زوايا النفس والاجتماع، وَكُونْ القائم بالوصف من البيئة الموصوفة ذاتها، فسيكون من غير المعقول أن تقوم هي بوصف ذاتها متخلفة، بل والأرجح أنها أطلقت الوصف بقصد الايضاح والمقارنة والتعرف الى واقع عيش لا يمكن تبديله إذا لم يتم التعرف عليه. ثم أن واقع الجنوب العراقي الذي تأخر عن ركب العراق والحضارة العالمية بمراحل، مشكلة تخلف لا تعود أسبابها منطقياً على أهله الذين عوملوا من قبل الحكومات المتعاقبة طوال عمر الدولة العراقية، تعاملاً في التعليم والاعمار فيه تقصير وانحياز لغيرهم، وإذا ما اتفقنا أن الواقع الجنوبي مشكلة وهو كذلك بالفعل، فان المشكلة أي مشكلة لا يمكن حلها إذا لم يتم التعرف عليها، تحديدها، وصفها ليتسنى الشروع من بعد هذا باتخاذ خطوات الحل، وعليه فأن الوصف لم يكن بقصد الذم والانتقاص، بل بقصد لفت النظر لإيجاد حل وحث الأهل على المطالبة بحل يساعدهم على الخروج من واقع قد تخلفوا فيه عن ركب الحضارة على مستوى العراق والعالم.
واذا ما تم النظر اليه من زوايا الواقع، فالعراق في وقتنا الحاضر يحسب متخلفاً عن حضارة الاقليم الذي يعيش ضمنه، وعن حضارة العالم، والجنوب العراقي أكثر تخلفاً من باقي مناطق الوسط والشمال العراقي، فالبطالة فيه متفشية، والعشائرية فاعلة، والخرافات والأساطير كثيرة، والقدرة على الاختيار والانتخاب محدودة، ومستويات الالتزام بقوانين وضوابط الدولة ضعيفة...الخ من معالم الواقع التي تدفع أي باحث منصف يطلب منه النظر في حل، الوقوف أولاً أمام وصفه واقعاً متخلفاً عن باقي أنحاء العراق، ليضع من بعد الوصف خطوات الحل والتعامل مع هذا الواقع الصعب. 
وفي حال النظر اليه من زاوية السياسة، فيصبح الموضوع جله تخلفاً عن معطيات السياسة، إذ أنه قد استغل من جهات سياسية لأغراض التسقيط، وجرت اعتداءات على مواقع ومقرات ووجهت اتهامات وتهديدات، وهو أمر لا يخلو من تخلف عن معايير الديمقراطية التي تعطي الحق للجميع بالتعبير عن الآراء بحرية.
ختاماً يمكن القول أن ما حصل يُعَبرُ عن أزمة ذاتٍ، سياسية نفسية في مجتمع عراقي يسعى الى عبور العتبة الفارقة لتخلفه عن الركب العالمي وضعته فيه الحروب والإدارات الدكتاتورية المقيتة، ولكي يعبرها بكفاءة عليه الاعتراف بوجودها أولاً.