صفقة القرن.. الفشل المنتظر

آراء 2019/05/13
...

حازم مبيضين
بات واضحا أن الصفقة لن تعرِض على الفلسطینیین كامل الضفة الغربیة، بل سیقضم جزء منها یكون في حده الادنى شاملاً لأحیاء في القدس الشرقیة، وسیترك للیهود الإشراف على حائط البراق، وحریة الصلاة فیه. وحتى الآن، فإن الجانب الأمیركي لم یقل شیئاً حول نیة نتنیاهو في ضم المستوطنات إلى إسرائیل وعما اذا كان سیعاملها معاملة الجولان المحتلة أما الفرضیة الثانیة فهي القدس، فالرئیس الأمیركي لم یستخدم كلمة القدس عاصمة إسرائیل الموحدة، بل هذه المفردة استخدمها نتنیاهو أما ترامب، فقد استخدم اصطلاح القدس العاصمة الأبدیة لإسرائیل.

الفلسطینیون من جهتهم، یواجهون أیضا ظرفا حساسا جدا، وبرغم أن لا أحد یستطیع فرض أي حل عليهم، إلا أنهم أیضا، امام كلفة أخرى ترتبط بمعاندتهم للحل، خصوصا أن واشنطن ترى في إفشال الفلسطینیین للوصفة الأمیركیة، إفشالاً لكل مخطط إعادة رسم الجغرافیا السیاسیة، بما في ذلك تسویة الملف الإیراني، الذي ترید واشنطن التفرغ لها،  تماما.
 
قوس الأزمات في المنطقة، بدأ فعلیا، منذ الثاني من الشهر الحالي، أي موعد انتهاء الاستثناءات التي منحتها واشنطن لدول عدة لاستیراد النفط من إیران، ویمتد إلى ما بعد عید الفطر، حیث یتوقع أن تعلن واشنطن عن التسویة الفلسطینیة، والمؤكد هنا، أن اللعبة الإقلیمیة، لیست محصورة في ظلال كل ملف على حدة، إذ إن الجانب الإیراني، لدیه صلات عسكریة ومالیة، في لبنان وفلسطین، قادرة على خلط الأوراق،
 
سربت الصحافة الاسرائيلية ما زعمت أنه نص اتفاقية ثلاثية سيتم توقيعها بين إسرائيل ومنظمة التحرير وحماس، وسيتم إنشاء دولة تسمى فلسطين الجديدة في الضفة الغربية وغزة، باستثناء المستوطنات الإسرائيلية بالضفة وبموجبها ستبقى الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية كما هي اليوم، وستنضم إليها مستوطنات معزولة، وسوف تتوسع مناطق الكتل لتصل إلى المستوطنات المعزولة التي ستضاف إليها،  ولن يتم تقسيم القدس وستكون عاصمة إسرائيل وفلسطين الجديدة، ولن يُسمح لليهود بشراء المنازل العربية، ولن يُسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، وستبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم، وستقوم مصر بتأجير أراض جديدة لفلسطين لغرض إنشاء مطار وإنشاء المصانع والتجارة والزراعة، من دون السماح بالسكن فيها، والدول التي ستدعم ماليا تنفيذ هذا الاتفاق هي: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج المنتجة للنفط، وستوفر الدول الداعمة ميزانية قدرها 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات للمشاريع الوطنية في فلسطين الجديدة. ومعظم العبء سيكون على الدول المنتجة للنفط لأنها ستكون المستفيدة الرئيسة من هذا الاتفاق، لن يكون لفلسطين الجديدة جيش، السلاح الوحيد هو الأسلحة الخفيفة التي تحتفظ بها الشرطة، وسيتم توقيع اتفاقية دفاع بين إسرائيل وفلسطين الجديدة تضمن فيها إسرائيل لفلسطين الجديد الحماية من كل عدوان وستودع حماس جميع أسلحتها، بما في ذلك الأسلحة الشخصية، لدى المصريين، بينما سيستمر أعضاء حماس، بمن فيهم القادة، في تلقي رواتب من الدول الداعمة حتى قيام الحكومة، وسيتم إقامة طريق سيار بارتفاع 30 مترا يربط الضفة الغربية وقطاع غزة تسهم فيه دول عدة ، وسيظل وادي الأردن في أيدي إسرائيل كما هو اليوم وإذا اعترضت إسرائيل على هذا الاتفاق، فإن الدعم الاقتصادي لإسرائيل سوف يتوقف.
 
ولكن، ماذا لو لم تكن صفقة القرن كذلك بل اسوأ، فهل نحن جاهزون لما سیأتي من ضغوط أم أننا بحاجة لبناء موقف أردني - مصري - فلسطیني موحد تنضم إلیه الدول العربیة التي تتبنى الموقف نفسه ، خاصة أن تحالف ترامب نتنیاهو ربما یمتد لخمس سنوات المقبلة، وفي الخلاصة أنّ الولايات المتّحدة ضامنة دائمة لأمن إسرائيل، والعلاقة بينهما حقّقت قفزة نوعيّة بعد حرب 1967، حين استطاعت تلّ أبيب إهداء واشنطن أكبر انتصاراتها في مواجهة الاتّحاد السوفياتي وحلفائه. لكنّه لا يلغي أيضاً أنّ الطرف الأقوى في العلاقة هو الولايات المتّحدة، من دون أي تجاهلٍ لهامش الاستقلاليّة الواسع الذي انتزعته الدولة العبريّة لنفسها.
 
الخلاصة تقول إن مراهنة واشنطن على قدرتها على التحكم في الملفین الإیراني والفلسطیني، بهذه البساطة، والعبور عبر أشهر الصیف، نحو خریطة جدیدة، أمر لیس بهذه السهولة، ولا بد أن نذكر هنا، أن المعسكر الذي تم تأسیسه ضد واشنطن في المنطقة، على ما فیه من تناقضات، وتباینات، واختلاف في المرجعیات بین الدول والشعوب والجماعات العسكریة، بات كبیرا، كما أن واشنطن استطاعت بسبب الجهل السیاسي وسوء التقدیر، توحید كل هؤلاء، على غایة واحد هي إفشال المشروع الأمیركي في المنطقة.