كيفية تقليل تأثير غاز الميثان

بانوراما 2023/11/12
...

  مارسيلو مينا

  ترجمة: بهاء سلمان


شَهد الصيف الماضي موجة غير مسبوقة من درجات الحرارة القياسيّة، مما ترك علامة مدمرة على المشهد المناخيّ لدينا، فقد تعرّض ملايين الأميركيين لتحذيرات من الحرارة الشديدة، بضمنها مناطق الجنوب الغربي، حيث كانت الأجواء شديدة الحرارة لدرجة أن الناس يصابون بحروق من الدرجة الثانية بسبب سقوطهم على الأرض. وتعاني هاواي من جفاف شديد، حيث تعتبر مساحات من سلسلة جزر المحيط الهادئ جافة ساهمت في أعنف حرائق الغابات منذ أكثر من قرن.

ويبدو أننا انتقلنا إلى ما بعد عصر الاحتباس الحراري العالمي إلى عصر “الغليان العالمي. وسيؤدي خفض انبعاثات الميثان إلى إعادة الاوضاع إلى سابق عهدها والقضاء على هذه التهديدات المتفاقمة للبيئة والصحة العامة الناجمة عن تغيّر المناخ. أن الحد من انبعاثات غاز الميثان إلى الغلاف الجوي هو الطريقة الوحيدة والأكثر فعالية لخفض درجة حرارة الكوكب. وفي حين أن الميثان قد لا يحظى بالمستوى نفسه من الاهتمام الذي يحظى به نظيره الكربون، إلا أنّه مميت بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر؛ نظرا لقدرته على احتجاز حرارة أكبر بكثير من الكربون.

إن المبادرات، مثل فريق عمل البيت الأبيض المعني بالميثان الذي تم تشكيله مؤخرا، والذي انطلق من قمة الميثان الأولى، ستساعد في اضفاء طابع عاجل على معالجة انبعاثات الميثان في جميع أنحاء العالم. ولكن لا يزال بإمكاننا أن نفعل المزيد لتعزيز جهود التخفيف من غاز الميثان التي تؤدي إلى التغيير، وتكون مستدامة، وتحسن الجودة الشاملة للحياة للمجتمعات المحليّة. ويمكن تحقيق جهود التخفيف من غاز الميثان من خلال خطوات بسيطة وفعالة. وفيما يلي ثلاث طرق يمكننا من خلالها القيام بذلك.


الطعام والسماد

تعّد تربية الأبقار أكبر مصدر لغاز الميثان، وتمثل نحو 15 في المئة من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة؛ بسبب التخمّر المعوي، وهي العملية الهضمية للمواشي التي تطلق غاز الميثان المشبع بفضلاتها وكذلك التجشؤ. وتكمن إحدى الطرق المهمة لخفض الانبعاثات الناتجة عن التخمر المعوي في تغيير طريقة إطعام تلك الحيوانات.

وتتجشأ الأبقار ذات التغذية منخفضة الجودة أكثر من تلك التي تتغذى على العشب. ومن خلال إجراء تغييرات بسيطة على ماهية وكيفية إطعام الماشية، يمكننا تقليل انبعاثات غاز الميثان بشكل كبير، من دون التضحية بالإنتاج، أو دخل المزارعين. 

وهناك مشكلة السماد، إذ تأتي نصف انبعاثات النظام الغذائي اليوم من الأطعمة غير المأكولة والفضلات؛ وبالإمكان معالجة أكوام الطعام المتحلّلة في مكبات النفايات لصنع سماد للاستخدام الزراعي، ومشاريع مكافحة التآكل، وتغذية التربة.

من شأن التسميد أن يقلل من حجم مكبات النفايات في جميع أنحاء العالم، ويتم التخلّص من أكثر من ملياري طن من النفايات على مستوى العالم في مكبات النفايات سنويا. وتعدّ معظم النفايات عبارة عن مواد غذائية، ففي الولايات المتحدة، ينتهي الأمر كل عام بـأربعين بالمئة من جميع الأطعمة، بما يعادل 119 مليار جنيه إسترليني، في مكبات النفايات كفضلات. في الجنوب العالمي، يصل إرتفاع بعض مكبات النفايات إلى عشرين طابقا، وتشغل مساحات تصل إلى سبعين هكتارا، مثل مكب غازيبور، القريب من نيودلهي. 

وقد اشتعلت النيران في مكب النفايات هذا ثلاث مرات خلال شهر واحد من العام الماضي، متسببا بظروف معيشية سامة للقريبن منه. في الولايات المتحدة، لا تبعد 54 بالمئة من مكبات النفايات المعروفة عن مناطق التجمّعات السكنية سوى ميل واحد. وتستعمل عملية التسميد وعلى نطاق واسع على تقليل كمية الطعام المتراكم في مكبات النفايات، وبالتالي تقليل إطلاق غاز الميثان المنتج للحرارة.

الحكومة والشركات

رغم الحاجة لدور المجتمع بخلق بيئة أكثر أمانا ونظافة، تلعب الحكومات والمنظمات غير الحكوميّة والمؤسسات الخيريّة دورا فريدا في توجيه التغيير الجوهري. وتستلزم جهود تخفيف غاز الميثان تنسيقا عالميا بين الدول والمؤسسات المعنية، مع دعم مالي، وقدرة تنظيمية، وعلاقات ناجحة مع المجتمعات المقصودة.

وتعدّ المبادرات المناخية الكبرى، مثل “التعهّد العالمي لغاز الميثان”، الذي وقعته أكثر من مئة دولة في عام 2021، دليلا على فعالية مثل هذه المبادرات التعاونية. وفي عام 2022، بذلت جهود في “مركز الميثان العالمي”، وهو جهد خيري منسق للحد من انبعاثات غاز الميثان في جميع أنحاء العالم. وأظهرت التجربة أن التغيير يتطلّب التعاون، وأن الشراكات بين القطاعين العام والخاص لها دور فعّال في تطوير الحلول المؤثرة لمكافحة القضايا الأكثر إلحاحا في يومنا هذا، مثل إبطاء تغيّر المناخ وتحسين نوعية حياة الناس في جميع أنحاء العالم.

وبريادة من قبل مركز الميثان العالمي، بالشراكة مع صندوق بيزوس للأرض، يعد مشروع مسرّع البحث والتطوير للتخمير المعوي أكبر استثمار على الإطلاق لانبعاثات غاز الميثان من الماشية. إذ سيقوم المشروع بتطوير خيارات علفية أحدث وأفضل للماشية، والبحث في الأدوات الوراثية لاختيار الماشية الأقل انبعاثات بشكل افتراضي.

ولا بد من نسخ برامج مثل برنامج المسرّع وتوسيع نطاقها، وخاصة في البلدان النامية، الأكثر تضررا من أزمة المناخ. وتتمتع الشراكات بين القطاعين العام والخاص بالقدرة على تطوير وتنفيذ مبادرات واسعة النطاق، مثل المسرّع، الذي سيساعد بشكل كبير في تقليل انبعاثات غاز الميثان في جميع أنحاء العالم.

ويمكن أن يحدث التخفيف من غاز الميثان من خلال الخطوات اليوميّة الصغيرة، كالتسميد في منازلنا فضلا عن التحوّلات الصناعية على نطاق أوسع لتحسين ممارسات التغذية الزراعية بدعم من القطاعين العام والخاص، وبهذا يمكن تقليل انبعاثات غاز الميثان بشكل هادف وخلق جو أنظف وظروف معيشية أفضل وحياة أفضل، ضمن كوكب أكثر صّحة لجميع سكانه.


مجلة نيوزويك الاميركية