حمار بوريدان

ولد وبنت 2023/11/13
...

 عفاف مطر

جون بوريدان هو كاهن ولاهوتي وفيلسوف فرنسي، عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، وقضى أغلب حياته في باريس.  ينتمي إلى الفلسفة السوكلائية التي كانت لها اليد الطولى في العصور الوسطى. أهتم بوريدان في الفيزياء، وقدم بعض الإسهامات المهمة منها تطويره لمفهوم قوة الدفع التي رأى أنها مسؤولة عن بقاء الإجرام السماوية في مداراتها
وكانت فكرته هذه النواة الأولى لمفهوم القصور الذاتي في الفيزياء الحديثة،كما اهتم بعلم المنطق، وقدم عدة مفارقات منطقية، لكن الذي أبقى اسم بوريدان يتردد حتى يومنا هذا هو حماره (حمار بوريدان) إذ اتخذ بوريدان الحمار بطلاً لتجربة ذهنية أو فكرية تتعلق بمسألة حرية الإرادة والاختيار عند الإنسان، وقدم بورديان هذه التجربة ليدعم فكرته التي تتلخص بأن العقل لا يستطيع أن يتخذ قراراً حاسماً قاطعاً عندما يكون أمام خيارات متساوية في الضرورة والأهمية، فهنا يعجز العقل عن اتخاذ القرار وتصبح الارادة كذلك عاجزة عن الاختيار وبالتالي عن الفعل.
إذن ماذا فعل حمار بوريدان؟
افترض بوريدان وجود حمار جائع وعطشان لم يأكل منذ فترة طويلة جداً، وبعدها وضع على يمينه ويساره من مسافة متساوية وعاءين لهما نفس اللون والشكل والحجم، الأول به ماء، والثاني طعام، فعلى يمينه ماء وعلى يساره طعام، وهو جائع وعطشان بقدر متساوٍ، أي أن الدافعين متساويان، والسؤال هنا ما الذي سيدفع الحمار لترجيح خيار على آخر؟ هنا سيبدأ الحمار بالتفكير أيهما أولاً الماء أم الطعام؟ ومن المؤكد أنه سيشعر بالحيرة، وما أن يقرر أن يختار الماء وقبل أن يصل يغير رأيه ويعود إلى الطعام، والشيء نفسه ما أن يصل إلى الطعام حتى يعود بسرعة إلى الماء، ويبقى هكذا متردداً في الوسط بين الخيارين إلى أن يهوى من شدة الجوع والعطش جثة هامدة.
ما يحاول بويدان قوله أنه من الصعب علينا اتخاذ قرار مناسب حين تكون الخيارات أمامنا متساوية من حيث الضرورة والأهمية، ونبقى في دائرة الحيرة والتردد وذلك لعدم قدرة العقل على ترتيب الأولويات، وهنا تتعطل قدرة الاختيار ونبقى عالقين في مكاننا كما حدث مع حماره، وحركة حماره خطوة إلى اليمين ثم العودة إلى الوسط واتخاذ خطوة إلى اليسار وهكذا دواليك دليلاً على أن للحمار إرادة، ولولا هذه الإرادة لما تردد بين الخيارين، بل لاتجه مباشرة لخيار محدد، ولكن لأنه يملك إرادة حرة نجده متردداً في الوسط بين الماء والطعام، هذا الموقف سبب إرباكاً كبيراً لعقل الحمار مما جعله عاجزاً عن حسم الأمر لهذا يقال « تفلسف الحمار فمات جوعاً» الكثير منّا تعرض لموقف أو أكثر شبيه بموقف حمار بوريدان، نقف عاجزين أمام خيارين وهذا التردد يخسرنا كلا الخيارين، وما أكثر الناس الذين ضيَّعوا عمرهم في الحيرة والتردد ولم يفعلوا شيئاً وضيَّعوا فرصاً لعجزهم عن تحمل مسؤولية اتخاذ قرار ما من عدة خيارات.
الحرية عند سارتر هي الاختيار والاختيار عنده مسؤولية، والإنسان الحر هو القادر على الاختيار لأنه يثبت وجوده عبر الفعل والفعل هو الاختيار، لهذا يصف سارتر المتموضعين في الوسط في المنطقة الرمادية الخائفين من تحمُّل تبعات اختياراتهم بأصحاب الأيدي البيض لكن لا أيادي لهم، بمعنى أن أياديهم بيض لأنها لم تستعمل وكأنها غير
موجودة.
وبالرغم من أنه في بعض الأحيان يكون في عدم الاختيار حكمة، إلا أن الاختيار يبقى أفضل من المراوحة في المكان نفسه والانتظار وخسارة كل شيء.