حجم الديون وأزمات المصارف

اقتصادية 2023/11/13
...

ياسر المتولي

يتخطى حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي حاجز الـ 100 تريليون دولار بحسب تقديرات المؤسسات المالية العالمية ،بالمقابل فأن حجم الدين العام يتخطى أو يعادل ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي وهنا تكمن الخطورة .
إنَّ من بين مخاطر الدين العام هو ما تسببه من أزمات مالية عالمية التي تمر بها دول العالم وبفترات زمنية مختلفة وتنعكس آثارها بشكل كبير على اقتصادات الدول ولو بنسب متفاوتة وفقاً لقوة اقتصاد كل دولة والتي تقاس بحجم الناتج المحلي لكل منها ومدى قدرات كل منها على تحمل أعباء تلك الأزمات وأقصد الأزمات المالية، لذلك لا يمكن التقليل من مخاطرها .
وطبقاً لما تقدم فإن القاعدة الأساسية للتمويل في الأزمات المالية هي باعتماد سعر الفائدة الذي تفرضه وتتحكم به البنوك المركزية تبعاً لخططها لمعالجة  التضخم غير المسموح به بهدف تفادي انهيار قيمة عملاتها ولتحقيق توازن السوق .
ففي ذروة مرحلة الانكماش الاقتصادي ضمن الدورة الاقتصادية التي تمر بها اقتصادات العالم دورياً تقوم البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة بهدف توفير رافعة مالية قادرة على انتعاش اقتصادات بلدانها بما يتيح وفرة مالية لتلبية احتياجات السوق . وهذا الأسلوب الذي تتبعه البنوك المركزية يطلق عليه تسمية  (التيسير النقدي) .
وهنا تتشجع المصارف وفقاً لخفض أسعار الفائدة على رفع سقف ائتماناتها للجمهور وتوسع قبولها للايداعات بنسب فائدة متدنية .هذا الأمر يشجع المقترضين على رفع الاستهلاك فيزداد الطلب ويقل العرض على السلع والخدمات بما يدفع بارتفاع الأسعار التي هي إحدى أهم مؤشرات حالات التضخم غير المسموح بها .
فتضطر البنوك المركزية لمعالجة هذه الظاهرة واقصد التضخم برفع سعر الفائدة والذي يطلق عليه بسياسة
( التشديد النقدي ) وهذا الإجراء بدوره يدفع المودعين إلى سحب ايداعاتهم من المصارف للاستفادة من فرق الفائدة .
وبذلك يتسبب بخسارة المصارف فتضطر إلى بيع سنداتها وأحياناً موجوداتها لتلبية طلبات المودعين الملزمة.
وهذا هو السبب الأساسي في انهيار الكثير من المصارف في العالم، إلا أن بعض الدول تقوم بحمايتها من الانهيارات من خلال الدعم الطارئ باقراضها وهذا ما حصل بعدد من البنوك الأميركية مؤخراً .
من هنا نكتشف حجم الضرر والآثار الموجعة للديون ومخاطرها على المصارف ذلك لأن الايداعات في المصارف هي بمثابة ديون لحساب المودعين الذين يهبون هبة واحدة لسحب ودائعهم بسبب رفع سعر الفائدة وكذلك في الأزمات المالية وعند تذبذب سعر الصرف في الاقتصادات الهشة . إنَّ خبراء الاقتصاد يعزون سبب انهيار المصارف إلى كونها تقوم بالمتاجرة بالديون وليس بتنمية رأس المال وهذه الظاهرة مشخصة في البنوك التجارية على الأغلب .
يتضح مما تقدم أن المصارف الإسلامية تقوم بتنمية  رأس المال من خلال عملية المشاركة في الربح والخسارة فتكون آثار الأزمات أخف عليها وأقل ومقاومتها  على البقاء في السوق أعلى ،هذا التحليل ينطبق في دول متقدمة كثيراً .
ولعل من أسباب انهيار المصارف هو عدم سن  تشريع كاف لحماية المنظومة المصرفية كما أن المصارف ليست لها القدرة على إدارة المخاطر وخدمة الدين .
وفي العراق الوضع مختلف حيث الحاجة تقتضي أن يعاد النظر بقانون المصارف رقم 94 لسنة 2004 لمرور قرابة عقدين من الزمن على تجربة مريرة بحاجة إلى تعديل قانوني يصب في مصلحة حماية القطاع المصرفي لاسيما حقوق الأقلية وحقوق المودعين.  وعلى الرغم من وجود إجراءات وقائية في قانون المصارف مثل الوصاية وإقراض المصارف ولكن التطبيقات وحُزم الانقاذ لا زالت ضعيفة حقاً، عليه فان دعوتنا لإعادة النظر بقانون المصارف باتت ملحة .