شذرات على مائدة الأدباء والبرابرة

ثقافة 2023/11/14
...

 جاكلين سلام 


الأدب خطاب فلسفي وسياسي بلغة صادقة تحاور وتستفز القارئ ولا تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة. 

*

الدين ورقة عاطفية يستطيع أي ديكتاتور في العالم أن يلعب بها ويقتل شعبا بأكمله حين يضع ذلك نصب عينيه. في كل رواية حيز من الديني واللاديني، السياسي واللاسياسي يحاول كل أن يدحر الآخر دون أن يقتل إنسانا أو حيوانا. دم الإنسان أغلى من المعتقدات والإيدلولوجيات.  لقد سال دم غزير، متى سيكفون عن القتل!

*

في كل عمل أدبيّ جانب اجتماعي هو طبقة من طيات الحقيقة بعد نزع الأقنعة عن الواقع.

*

كتب الفيلسوف والشاعر الأمريكي رالف والدو ايمرسون» الكتابة المتخيلة تكشف الحقيقة، فيما الواقع يكفنها بالغموض» لذلك أعتقد أن قوة الأدب أهم من قوة البيان السياسي في صنع الحقيقة وقولها بطريقة ذكية تصل للذين لا يثقون بالسياسيين وخطاباتهم الحادة التي تدعي امتلاك حقيقة واحدة ومطلقة. وعرف الكاتب ايمرسون بتحيزه إلى الفردية الروحية الإبداعية والديمقراطية. 

*

سألني صديق منشغل بالعمل السياسي هل تعتقدين أن للأدب تأثيرا في حياة الشعوب وتغيير القيم والأعراف وذلك مقارنة بدور الخطاب السياسي والعمل المنظم؟ 

الجواب: من تجربتي أقول أن الأدب بكل صيغه (شعرا ورواية ومسرحا وفلسفة) يشكل ركيزة أساسية في تغيير العقليّة الجامدة المتعنتة بطريقة خبيثة ماكرة بالمعنى الإيجابي لأنها تحاكي العاطفة والروح والعقل والفكر معا وذلك حين يكون القارئ مستسلما للمطالعة بكامل اختياره وليس حين يكون مجبرا للتسمر أمام نشرة الأخبار التي تنقل ما يريد نقله إعلام السلطات للشعب. وتلك النشرات تصاغ بعناية وتوجيه أصحاب السلطة في أي منبر إعلامي ولها محرروها. 

*

الآداب والعلوم الإنسانية تنقل رسالتها بأسلوب فني مسالم، والأديب ليس ملزما بأن يكون خطيباً سياسياً في كل مرحلة. لكل أدواته وطرقه في الوصول إلى الهدف. وهناك من يمتلك مواهب شاملة. 

*

بعد نزع الأقنعة عن الواقع عن الجملة الشعريَّة وعن الرواية يبقى المخيال البشري طائفاً منتصراً وسعيداً. لم يقل لنا أحد أن الحيوانات تتخيل أو تحكي قصصاً لبعضها البعض.

*

حين تعمل جهة ثقافية على «تأليه» كاتب والنفخ في سطوره الأدبيّة بغير استحقاق واضح فهي بالمقدار ذاته تعمل على صناعة ديكتاتور عربي فَذّ.

*

رحل كاتب عربي متواضع الإنجاز والترجمة، فجعلوا منه بطلا أسطورياً لسد فراغهم ولحاجتهم إلى خلق بطل أكبر من حجم الكتاب الذي تركه خلفه هذا الإنسان الذي لا يختلف عن أي كاتب آخر ينتج كل سنة رواية او ديوانا. لو أنه قرأ بشكل حقيقي وهو حي، لربما عاش فترة أطول

*

هناك أكثر من روائي عربي تم تدويره وإعادة تكريمه لدرجة غير مقبولة وهناك الآلاف من الكتاب العرب الذين يستحقون التكريم مادياً ومعنوياً.

*

قرأت خبراً أدبياً منذ وفرحت بأن الكاتبة المبدعة السيدة ( عين) سوف تجري حوارت تلفزيونية للتعريف بالكتب والأدب، ثم وجدت على قائمتها الأولى استضافة كاتب ( حاز على عدد من الجوائز) وليس بحاجة إلى مزيد من الدعاية والإعلان عنه. يدورون في الحلقة المفرغة ذاتها ثم نقول: من يخلق الديكتاتوريات في الشرق وأمامنا عقلية تأليه الكاتب فلان وفلانة حسب الشلة والمحسوبية والمعارف المشتركين.... كل ذلك لأسباب - نصف مستحقة إبداعيا.

المرأة العربية الكاتبة تشارك في هذه الحفلات التنكرية لأنّها بحاجة إلى الدخل المادي لإعالة نفسها والاستمتاع بالتكريم وعائداته الاجتماعية والنفسيَّة لفترة زمنية محدودة. تشارك المرأة لأنها جزء من تركيبة المجتمعات وليست قادمة في فضاء آخر.

*

وحده الفن قادر على خلق نساء يقلبن الطاولة ولا يتسخن ورجال يستمتعون بالشراب والفاكهة دون أن يفقدوا العقل والمنطق البشري ليعلنوا الحرب العدوانية بسبب الجوع وشهوة السلطة

المطلقة.

*

حين يصل البرابرة إلى بيتك سأكون قد انتهيت من إعداد وجبة طعام شهيَّة للكلاب الضالة ومسرحية ساخرة للبربري الأخير. للوصول طرقات ومتاهات. 

البرابرة الآن يكتبون التاريخ المدنس ويصنعونه أيضا. ونحن الضحايا التي نشاهد ولا نعرف كيف نقوم وكيف نموت تماماً.

*

زمن ثقيل كأشواق الغرباء 

كحزن يتساقط من تكات السّاعة المعلقة على الجدار 

كخصلة حلم مشردة بلا بيت 

تضمحل ويداعبها الهواء قبل أن يدوسها البرابرة

قمر على كتف المسافات يبكي معي

وبيننا الحنين إلى الانصهار في ما هو أبعد من هذا الحلم العجوز

القمر لا يعرف بأننا غرباء في البيت وخارجه كما كنا في البدء

لماذا ، لا أحد يعرف شيئا عن نهاية العالم إلا السيد الموت المجهول!