ما أبعدَ المسافة.. ما أقربَ الضياع

ثقافة 2023/11/14
...

 ضرغام عباس


أُسافرُ معكم أينما تسافرون، أُشاهدُ كلَّ ما تشاهدون، كذلك أتحسّسه. 

أنتمي إليكم مثل ما تنتمي ذرةُ الترابِ إلى التراب. وإن أردتم رؤيتي، لا تنظروا إلى الأعالي، أنا كامنٌ في الأعماق. ألتحفُ العشبَ مثل أيِّ أفعى، ألتحفُ الترابَ مثل أيِّ بذرة، لكنني حتمًا سأصيرُ في الأعالي. 

قطراتُ الماءِ تنتحر، تُضحّي بما تبقّى لها من جريان؛ كي تجاور السماء. 

لتشعر بما لا نشعر به، نحن الأرضيون، لكن هذا الشعور لن يدومَ طويلًا، من وُلِدَ على الأرض، من وُلِدَ زاحفًا، حتمًا سيموت على ما وُلِدَ عليه .

إنه الحنين، الحنينُ إلى أولِ الذكرى، إلى أولِ الولادات، وأنا أحنُّ إلى ماكنتُ عليه، أحنُّ إلى الضباب.

آهٍ ليتني كنتُ ضبابًا فأحتضنُ العالم وأضمهُ إلى صدري دفعةً واحدة، وهكذا لن أشعرَ بالفراغ طيلة مكوثي تحت التراب.

الأشياءُ الجميلةُ دائمًا ما تُعيدُ نفسها لكن، ليس على الواقع، إنما في الأحلام .

النجومُ بدأت مسيرتها من تحت التراب (لا أعلم ماذا كانت، سأسألُ عنها الله في الأعالي) مصيري هو نجمةٌ في الأعالي، مصيري أن أكون مشرقًا على الدوام - أن أتفتّحُ مثلما تتفتّحُ الأزهار - أن أهبَ ثماري لعاشقين ضَلاّ الطريق في العودة إلى جسديمها / ظل كلٌ منهما عالقًا في جسد الآخر. 

أنا أيضًا، ضللتُ طريقَ العودةِ إلى البيت، وإنّ ما ترونه الآن 

ما هو إلّا روحًا في جسد السماء .

سماء يا سماء

كوني لروحي قنديلًا

أنا أخاف العتمة.

فكرةُ أن أكون وحيدًا تُعذبني، وفكرة أن أكونَ مع البشر تُعذبني أكثر. 

أنا كتلةٌ من العذاباتِ التي لا تشعرون بها. 

عذاب يسير على العشب - عذاب يلتحف التراب

وعذابٌ يشقُّ طريقهُ ليكون المستقبل. 

دموعي أكثرُ عذابًا مني. 

غيوم.. يا غيوم، ليتكِ تعرفين ما أعاني 

في مثل هذه الساعة من الليل

وكل شيءٍ داخلي يتطلع إلى النجوم 

بلهفةِ الراعي إلى المروج الخضراء .

السماء حبيبتي، قادم منها - عائدٌ من انتظاري

إليها ...

ما أبعد المسافة - ما أقرب الضياع.

أجعلني يا الله، نجمةً..

ضمني إلى صدرك، كي أضمك إلى قلبي

يا الله.. أعطني صكَّ عبوديتي

أنا أخشى الحرية .