علي العقباني
بعد مرور أكثر من خمسين عاماً “إذ رحل الشاعر في 23/ 9/ 1973” يعود الحديث هذه الأيام لأسباب كثيرة عن رحيل أو اغتيال الشاعر التشيلي بابلو نيرودا (1904 -1973)، الذي يُعدّ إلى حد بعيد أحد أعظم شعراء أميركا اللاتينية وأكثرهم شهرة وتأثيراً على المستوى العالمي.
الغموض والشك والارتياب وتضارب المعلومات والأقاويل أحاطت إلى حد كبير بسيرة ومسيرة وحياة وموت هذا الشاعر الكبير الذي شكل علامة فارقة شعرياً ونضالياً وحياتياً، وهو الذي حاز جائزة نوبل للآداب عام 1971، وقال عنه الروائي غابرييل غارسيا ماركيز: إنه “من أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم”، وترجح الأدلة الجديدة التي اكتشفها الأطباء بعد إعادة فتح التحقيق من جديد أنَّ موت نيرودا كان اغتيالاً سياسياً صرفاً.
اليوم وبعد نصف قرن من غياب بابلو نيرودا، يعود إلى الواجهة إرثه الشعري وحياته الثرية بالشعر والنضال، لكن هذه المرة من باب الشك وتصيد العثرات والهنات في السيرة الشخصية والشعر الذي أنتجه عبر حياته، والحديث عن موته مسموماً وبعض خصوصيات حياته الشخصية، فها هو الأكاديمي والشاعر ماركو مارتوس يفجر قنبلة نقدية بقوله: إنَّ معظم شعر نيرودا كان مناسباتياً في كثير من النواحي، وإنَّ قصائده عموماً كانت مخلصة للحظة التي كتبت فيها، ولهذا السبب ربما فقدت بعض أشعاره الكثير من بريقها في وقتنا الراهن.
يرى الكثير من النقاد أنَّ أشعار بابلو نيرودا (اسم الشاعر الأصلي نفتالي ريكاردو رييس باسولاتو) تطورت بالتوافق مع مسيرته التاريخية والاجتماعية ونضاله السياسي، فانتقل من شعر الحب “ديوانه الأكثر شعبية/ 20 قصيدة حب وأغنية يأس واحدة”، نُشر عام 1924، عندما كان عمره 19 عاماً إلى الشعر الملتزم بقضايا يعدها عادلة كأشعاره من أجل الحب والحرية والعدالة والمرأة والحياة الكريمة والتحرر والنضال ضد الدكتاتورية والاستغلال، بالرغم من أنه تناول في قصائد كثيرة مواضيع بسيطة ومختلفة ومتنوعة من الحياة وذلك في قصائده الغنائية عن الأشياء والحيوانات والنباتات، وتجلت كتاباته النضالية أو الثورية شعرياً في كتابين مهمين هما “آيات القبطان” و”مئة سوناتة”، وهو يظل الشاعر الأكثر نضجاً وإثارة للاهتمام. وبالرغم من تشكيك البعض بأهميته الشعرية ويحيل تلك الشهرة الواسعة الطيف إلى الدوغما الدعائية السياسية التي رافقته والتي استفاد منها هو وآخرون في عالم السياسة، لكن ذلك لا يمنع على الإطلاق من كون نيرودا عرف إلى حد كبير كيف يحافظ على ذلك الارتباط القوي عبر خيوط شعرية وثورية مع الذوق الشعبي العام الأمر الذي حافظ على بقاء أشعاره حتى هذا الوقت مقروءة ومتابعة عند كثيرين.
وفي ظل احتفاء العالم بخمسين عاماً على رحيل نيرودا يطفو إلى السطح جدل قديم جديد حول سبب وفاته، هل مات ميتة طبيعية أو أنَّ مرض السرطان كان السبب في ذلك في حين تذهب روايات أخرى إلى أنه مات مسموماً، أي اغتيل على يد طغمة بينوشيه الشهيرة، وهو ما شكل بعداً وربما لغزاً جديداً ومحيراً في مسيرته، ومفاد ذلك طبعاً هو ظهور أدلة جديدة أكدتها الأبحاث الجنائية والتشريحية حول رجحان فكرة الموت مسموماً، وهنا تتأكد النظرية التي تقول إنَّ هناك عملية اغتيال سياسي واضحة الأركان.
تلك الفرضية لاقت صدًى كبيراً في الأوساط السياسية والأدبية، ومصداقية، ومرجع ذلك إلى حياة نيرودا السياسية الواضحة المعالم والتوجهات، فقد كان معارضاً لحكم ودكتاتورية بينوشيه، على صعيد الشعر والممارسة السياسية اليومية، لذلك فإنَّ احتمال كونه هدفاً سياسياً يبدو مرجحاً، وهو ما أكدته عمليات التشريح المتكررة في فترات مختلفة عن وجود مادة سامة في جسده ربما أدت إلى وفاته، وهذا ما دفع الحزب الشيوعي التشيلي، الذي اعتقد دائماً بفرضية التسميم، إلى القيام برفع دعوى قضائية في عام 2011 لتوضيح ملابسات وفاة بابلو نيرودا. ومنذ ذلك الحين، بدأ مسلسل تحقيق طويل لم ينته بعد. أجريت ثلاث عمليات تشريح للجثة، واستخرجت رفات بابلو نيرودا في عام 2013. وقد خلص التقرير الأول، الذي قدمه الأطباء التشيليون في أبريل/ نيسان 2013، إلى أنَّ السبب هو السرطان. لكنه أبطل في ما بعد مع تجربة ثانية عام 2017، قام بها 16 متخصصاً من عدة دول، كشفت وجود بكتيريا سامة في جسد بابلو نيرودا.
في عام 1969 تنازل الشاعر بابلو نيرودا عن ترشيحه للرئاسة لصالح حليفه الاشتراكي سلفادور الليندي، والذي فاز بالرئاسة في عام 1970، وعيّن بابلو نيرودا، الداعم النشط لسلفادور الليندي، سفيراً في فرنسا، حيث عاش هناك عامين قبل أن يعود إلى تشيلي في عام 1972. وعند عودته، استقبلته الجماهير بالهتاف والترحاب، لكنَّ سلفادور الليندي أطيح به بانقلاب عسكري قام به أوغوستو بينوشيه في 11 سبتمبر/ أيلول 1973. وبعد اثني عشر يوماً، توفي بابلو نيرودا في عيادة سانتا ماريا بالعاصمة سانتياغو، عن عمر يناهز 69 عاماً. وكانت شهادة الوفاة الرسمية آنذاك واضحة للغاية: سبب الوفاة هو التفاقم المفاجئ لمرض سرطان البروستاتا الذي شخّصت إصابته به في فرنسا عام 1969.
ما زالت أشعار نيرودا تحظى بالتقدير والقراءة من قبل كثيرين بالرغم من تأثيرات السياسة فما زال يُعد شاعر الحب والثورة والحياة، شاعر القضايا الكبرى وشاعر البساطة والطبيعة والجمال، ترك إرثاً كبيراً سيبقى طويلاً في وجدان الناس والشعر والحياة.
ببلوغرافيا
(ريكاردو اليسير نيفتالي رييس باسولاتو بابلو نيرود) المعروف بـ بابلو نيرودا
شاعر تشيلي الجنسية ويعد من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيراً في عصره.
ولد في تشيلي، بقرية بارال بوسط تشيلي في 12 يوليو عام 1904 يعد من أبرز النشطاء السياسيين، كما كان عضواً بمجلس الشيوخ وباللجنة المركزية للحزب الشيوعي كما أنه مرشح سابق للرئاسة في بلاده.
نال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل في الآداب عام 1971 وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد. وتوفي في 23 من سبتمبر عام 1973.
بدأت إبداعاته الشعرية في الظهور قبل أن يكمل بابلو عامه الخامس عشر وتحديدا عام1917 وفي عام1920 اختار لنفسه اسماً جديداً هو بابلو نيرودا في مارس عام1921
بعض مؤلفاته:
- أعترف أنني عشت
- كتاب التساؤلات
- عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة
- غزليات نيرودا
- النشيد الشامل
- آخر الأشعار
وقد ترجمت معظمها إلى العربية.