تراث الرؤساء الضائع

آراء 2019/05/13
...

صادق كاظم

باستثناء متحف صغير وشبه مجهول يقع في شارع الرشيد يخص الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الذي يملك شعبية كبيرة بين العراقيين تخلو بغداد من اي متحف رسمي يضم مقتنيات الزعماء السياسيين السابقين للعراق وبالاخص رؤساء الجمهوريات والملوك فيه. 
افتقارنا الى متحف بهذا المجال يؤشر باننا على قطيعة مع ماضينا وتعاملنا معه يستند على اسس عاطفية وليست واقعية اضافة الى عامل الانتقام فالحقبة الملكية التي شهدت تولي ثلاثة ملوك للعرش , اضافة الى ولي للعهد كانت غنية بالمقتنيات والاثار الشخصية لهم والتي كان بالامكان ان تؤسس لوحدها متحفا خاصا يمكن ان يكون مصدر جذب سياحي للبلاد داخليا وخارجيا ,لكن ماحصل صبيحة يوم الرابع عشر من تموز من العام 1958 والطريقة الانتقامية الدموية التي عوملت بها هذه الاسرة وقتلها بطريقة وحشية وسحل افرادها بالشارع وتعليق الجثث ,اضافة الى نهب محتويات القصر الملكي باسره ومن ثم حرقه جعل من بقاء مقتنيات الاسرة المالكة امرا شبه مستحيل لتضيع علينا ثروة لا تقدر بثمن ,حيث كان بامكان القائمين على الثورة السيطرة على الامور منذ البداية والمحافظة على الهدوء وضبط الشارع  وتجنب حصول هذه المسرحيات الدموية المؤلمة .صحيح ان بعضا منها كالسيارات والاسلحة نجت من النهب والتدمير ,لكنها كانت باعداد قليلة ونادرة واعتقد ان امانة بغداد تحتفظ باسطول صغير من السيارات والعربات الملكية في مراب خاص 
بذلك. وما يقال عن تراث الملكيين ينطبق على الجمهوريين فبالرغم من الحياة المتقشفة والزاهدة للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وقلة مقتنياته باستثناء الملابس وبعض الحاجيات الشخصية الا ان ذلك كله حاول الانقلابيون التخلص منه بعد انقلاب 8 شباط عام 1963 ,خصوصا وان جثته رميت في النهر من اجل اخفائها وتغييبها الى الابد والحال ينطبق على متعلقاته الاخرى .الرؤساء اللاحقون وهم كلا من الاخوين عارف عاشوا بدورهم حياة بسيطة ومقتنياتهم في القصر الجمهوري اختفت بدورها بعد وصول نظام البعث الاجرامي الى السلطة بانقلاب تموز من العام 1968 مما جعل الحصول عليها امرا صعبا 
جدا .
توثيق مقتنيات الزعماء السياسيين العراقيين في متحف وطني يخصص لهذا المجال امر ما زال قائما وممكنا ,خصوصا وان العديد من ابناء اسر هؤلاء الزعماء لديهم من مقتنياتهم واتمنى ان تطلق مبادرة لذلك، خصوصا وانها تؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ العراق، اضافة الى مفاتحة السلطات الاميركية التي قامت اثناء سيطرتها على العاصمة بغداد بنقل محتويات الارشيف الوطني العراقي لكل من وزارات الخارجية والداخلية وجهاز المخابرات القمعي السابق الذي كان يحتفظ باروقته بالعديد من الاشياء والمقتنيات الثمينة والمهمة وبشكل سري والتي كانت مودعة لديه . هذا التراث والارشيف السري العراقي يمكن لوحده ان يؤسس لنا متحفا وذاكرة مهمة تحكي للاجيال الحاضرة واللاحقة جزءا مهما من تاريخ 
العراق.
العديد من دول المنطقة تملك متاحف خاصة بتراث زعمائها وهناك على سبيل المثال في ايران متحف خاص عند كل قصر من قصور الشاه يضم مكتبه الشخصي وغرفة نومه وملابسه واسلحته يمكن للزائرين مشاهدتها من وراء حواجز زجاجية شفافة ,بل ان الايرانيين ما زالوا يحتفظون بالاوراق والاقلام التي وقعت بها معاهدة عام 1937 والمعروفة بمعاهدة سعد اباد والتي شكلت النواة لتاسيس حلف بغداد لاحقا ووقعها وزراء خارجية كل من العراق وايران وافغانستان وتركيا وهو مما يؤكد انهم لا يتعاملون بحساسية مفرطة مع ماضيهم ,بل يوثقونه من اجل تجاوز اخطائه والاعتبار منه .

 

حكامنا السابقون سواء اكانوا ملكيين ام جمهوريين باستثناء الحقبة البعثية المظلمة التي كانت عامرة بالحروب والازمات التي تسببت للبلاد بكوارث وخسائر لا تقدر بثمن هم في الواقع جزء اساسي من التاريخ العراقي ولهم تاثيرهم فيه وتوثيق هذا التراث وتوسيعه ليضم شخصيات اجتماعية وسياسية اخرى كان لها ثقلها ودورها المؤثر يعد ضروريا ومهما ,اذ ان ذلك يعد خطوة من اجل التأسيس لهوية وطنية موحدة والتعريف بماضينا ,خصوصا وان العراق قد عانى على مر العصور والفترات الزمنية المتلاحقة من عدم استقرار واضطراب ظل ملازما ومصاحبا له وهو ما اثر حتما على السلوك العنيف لشعبه وتجبر وطغيان حكامه واظن ان مراجعة لكتاب (تاريخ العنف الدموي في العراق) للاستاذ باقر ياسين توضح ذلك.