تسييس الدراما

آراء 2019/05/13
...

د. حسين القاصد 
ينتظر الناس شهر رمضان ليرتاحوا قليلا من ضغط الاخبار السياسية ، وينعموا بالاجواء الرمضانية المباركة؛ ففي هذا الشهر ميزة تكاد تكون الوحيدة عن بقية الشهور، وهي انه الشهر الوحيد الذي يجمع كل الأسرة بشكل يومي في مائدة واحدة . 
 لكن بعض القنوات الفضائية تستغل فرصة اجتماع العوائل العراقية واقترابها من الشاشة بعد قطيعة ونفور طيلة ايام السنة، واقول : تستغل، لأن بعض القنوات تستغل وتمارس الاستغلال فعلا فتضخ سمومها بعسل النكتة والاغاني الهابطة، لتمرر شيئا من سياستها؛ ولابد من التذكير بأن الضخ السياسي المكثف عبر الدراما والبرامج التلفزيونية هو من تركة اساليب النظام الساقط ، فلقد كنا نشاهد مسلسلات تلفزيونية من مثل (ذئاب الليل) تجعل البطل (اللص) محبوبا شعبيا، ويصير له مقلدوه، كما اننا شاهدنا دسائس بعض كتاب السيناريو حيث الاساءة لمكون عراقي والانتقاص منه، ففي مسلسل (رجال الظل)، كلنا شاهدنا من قام بدور الجاسوس لاسرائيل  كيف يذهب الى كربلاء ليزور ويعلن توبته. 
ولاتنتهي الدسائس بهذا الحد بل تصل الى السخرية من الجنوب وقيمته الاجتماعية والثقافية. 
في شهر رمضان هذا العام، تكرر المشهد لكن بصورة مضاعفة جدا، وكأن توجهاً او ايعازاً صدر من جهة ما بمضاعفة الاساءة للعراق هوية وشعبا؛ لذلك صرنا نشاهد الحوارات البذيئة والمشاهد غير اللائقة للعرض بدعوى انها جزء من الواقع الذي نعيشه في العراق؛ والغريب ان هذه البرامج والمسلسلات الموجهة سياسيا والمدفوعة الثمن، تلاقي اعجابا من بعض الذين لايدركون اللعبة، فنراهم يدافعون عنها، ويقولون انها واقع يومي منتشر في 
بغداد!!. 
 اذا اتفقنا انه واقع يومي ونشاهده في العراق ، فهل تشاهده بناتنا ونساؤنا واخواتنا بكل انحطاطه؟ أليس لهذه الحوادث والحكايا غرفها المغلقة؟ فلماذا نفتح لهذه الغرف المغلقة ابواب شاشاتنا لتدخل الى غرف عوائلنا ونبقى نتلفت عند كل لقطة تحرجنا امام بناتنا وعوائلنا؟ ولماذا نتقبل بعد الافطار ان يقوم ممثل مدفوع الثمن بالاساءة الى قيمنا ببرنامج هابط، ظاهرهُ ينتقد القضايا العشائرية، وباطنه يسيء لمكون دون غيره ، وكأن العشائرية وجدت في الجنوب دون غيره. 
 لقد ضوعف الضخ السياسي المسيء للمجتمع العراقي من القنوات التي لها اجندتها الخاصة بحسبب مموليها، وقد بلغ الاستياء الشعبي هذا العام الى حد انه صار حديث كل الجلسات العائلية ؛ وهو الأمر الذي دفع بوزارة الثقافة والسياحة والاثار لاصدار بيان استنكار على لسان وزيرها، يشجب به كل السلبيات التي تم تسويقها عبر المسلسات والبرامج المريبة . 
 ختاما أقول : لا تروجوا للاشياء السيئة  بالوان وصور مشوقة لتجعلوها محببة، فيكون ضحيتها جيل قلق خرج من مطاحن الحروب وينتظر ثقافة المواطنة لا ثقافة 
الانحلال.