جوزيف حرب.. مُنْشِد الجنوب

ثقافة شعبية 2023/11/16
...

كاظم غيلان 



ينبثقُ الشاعرُ كنتاجِ موهبة وهو يحملُ أسرارَ بيئته، لذا تجدُ ملامحها، تضاريسها الجماليَّة، مشرق شمسها ومغيبها في قصائده.

جوزيف حرب ولد بقرية المعماريَّة في الجنوب اللبناني ومات فيها، تجسد الجنوب كله في ما كتب، إنَّه يرى في الريف صفاءً داخلياً للإنسان، ولذا تحسُّ علاقته ببيئته تحملُ نكهة ذلك الصفاء وانعكاسات ألوانه، مثلما تحسُّ بإيقاعاته الحياتيَّة.

غنت فيروز العديدَ من كتابات جوزيف حرب الغنائيَّة، انصفت عشقه لجمال بيئته، ذلك الجمال الذي يقاوم ليبقى في زهوه:

بتولع حروب.. وبتنطفي حروب 

وبتضلك حبيبي يتراب الجنوب 

اللي حامل ع كتافو زيتون وسنابل 

قلعة بحر صور وصخرة جبل عامل 

الجنوب الذي يصوره حرب كشاعرٍ عاشقٍ يجددُ باستمرار ولاءه له، ليس جنوب الطائفة والقبيلة برغم وجودهما، ففي إنشاد الشاعر تختفي المضامين الضيقة، إنَّه فضاءُ الروح المفتوح إلى اللانهائي، يمنحه الشاعر قدرة الحب والاندفاع، يشذبه جداً حتى يجعل منه (سوارة ذهب) كما غنتها فيروز بصوتها (الوحيد الذي لم يفشل في التاريخ) كما يصفه 

حرب:

اسوارة العروس مشغوله بالدهب 

وأنت مشغول بقلوب يتراب الجنوب 

شهد الجنوب اللبناني حروباً دمويَّة، ويلاتٍ كبيرة، كأي بقعة ترشحها الصراعات إلى بركة دماء، لكنَّ ذلك لم يحقق عتمة، ولنْ يفرض سُحباً داكنة في رؤيا الشاعر بوصفه منشداً وفياً لإنسانيته، لكل ما في مضامينها من جمالٍ يتسع 

الكون.

فيروز غنت لحرب؛ لأنَّها تعي قدرته في الخلق، لم يكن شاعراً عابراً كاتباً لما يجهز من قصائد، فمعرفتها بالشاهق في التجارب هو دليلها في نسيج شجنها، ذائقتها النادرة جداً كما سوارة ذهب غير قابلة

للصدأ.