ما الذي نفهمه من صور الحرب ورمزيتها؟

ثقافة 2023/11/20
...

 خضير الزيدي 


لا يوجد عمل فني يوضح الحقيقة كالفن الفوتوغرافي ،فهو صورة تمنحنا اكتشاف ما تراه العين، وما خفي عنها. وقد تكون تلك الصورة الحساسة قابلة للشك في بعض المواقع لكنها في نهاية الأمر توضيح بصري لا تجرفه المواجهات مما يفسر خارج نطاق العقل والعين والذاكرة. وبما أننا في منطق له تمثلات جماليّة ومهارة وزوايا إلتقاط من شأنها أن تؤهل صاحب الكاميرا إلى أماكن عالية من التقدير والمتابعة فقد لجأ نفر من الفنانين الفوتوغرافيين إلى إضافة تجربة غنية (بالرمزية) في أعمالهم كأنهم يريدون ايضاح أمر ما، له غوايته وطريقته ووجهته وقد صاحب نوع من المهارة الفوتوغرافية أن تكون الالتقاطة في حركة مرونة وإثارة بالإضافة إلى التوثيق التاريخي. 

قد رأينا الكثير من وسائل الإعلام المرئية والقنوات الفضائية والوكالات ما يلزمها مصورون بارعون في توثيق حساسية الواقع، وشاهدنا في الفترة الحالية تصوراً لأطفال قتلا وجرحى في شوارع غزة، ولم تكن تلك الاثارة الصورية ذات خيال جامح، بل كانت نقلا عن حقيقية دمار وانتشال جرحى وشهداء من تحت الأنقاض. 

أهمية تلك الصور في صلابتها وتعبيريتها كانت غير منتهية الصلاحية من حيث الأحساس بالزمن، ونقل أوهامه وحقائقه، فالفوتوغراف هنا لم يعمل على نقل تجريبي، بل كان ذات تماس مع الحدث في أعلى مستويات الاهتمام، ولكن طابع الصورة الرمزيّة مهدت السبيل للتنافس في إعطاء الصورة الفنيّة اضاءة مع كل تباين أغراضها. وبما أن الحدث (حرب ملتهبة النار والدمار) فقد بدت الصورة ذات طابع سردي مع أنه محايث للواقع المؤلم، وكأنها لا تكتفي بالمد البصري، لتسحبنا لانشاءات متخيلة جراء صدمة الدمار. وهذا الفعل الفني لا يترتب من دون أن تكون الصورة الفوتوغرافية مليئة بالرمزية والميل إلى خلق ما يلائم الفن بين رؤية ومشاهدة الدمار والموت مع تصوير الخيال الفردي. 

أدون هنا هذا التصور بينما أتذكر عملا للفنان العراقي حسين المليجي وهو يصور طفلا جالسا مع أحد جنود الاحتلال وهو يضع سلاحه بين ساقيه، بينما الطفل جالس بلباسه العربي التقليدي من دون خوف أو حمل لسلاح هذا التصور الرمزي كفيل بان نقرأ لوازم الاسلوب التصويري الفني من زوايا عدة، وعلينا استخراج القيمة التعبيرية للصورة مع توفير شعور بقيمة ما تكشفه آلة الكاميرا وقيم الصورة البصريّة. وقد تحيلنا الذاكرة في فترة الاحتلال الامريكي إلى تلك الصورة التي تضم رجلا وطفله في معتقل الامريكان في العام 2003 وكانت لرجل على رأسه كيس أسود وابنه الصغير في حضنه تحيطهما الأسلاك في مدينة النجف وهي لمصور AP . 

في الحقيقة كانت الصور صادمة والأمر يعاد مرة أخرى وبقوة مع الدمار في مدينة غزة. وهنا نتساءل إلى أي مدى يمكن للفوتوغراف أن ينجح في تحقيق خطاب نقل العدالة أمام الآخر؟ لا مناص من أن تكون الحقيقة غائرة في الصورة، ولكن هل يتوجب أن نحررها من رمزيتها وما تستند عليه من حرفة واتقان في جعل الشكل النهائي للعمل الفني الفوتوغرافي مبنيا على أسس تزخر بالتفوق في أداء التصوير. اعتقد أن اندفاع الفوتوغرافيين كان صادقا مع كل ما يحيطهم من خطورة في نقل الأحداث وتوثيقها على نحو يفوق التصور، ولكن ما يهمنا التطابق في الفعل والتشابه في نقل الاحساس بقيمة وجوهر العمل الفني. 

هناك أدلة كبيرة على أن رمزيّة الفوتوغراف تتداخل مع المتخيل بما يغوي على التصديق، ولكن ما كان متحررا من رمزيته لا يمكن أن يستلزم شكلا غير مستقر، لهذا نحتاج لشكل أكثر وصفا وعناية في وضع له جذر موضوعي كالذي تعيشه مدينة غزة.

وعندما نتساءل: ما الذي نفهمه من صور الحرب؟

مؤكد أنها الوسيلة الأكثر انتشارا في نقل الدمار، ومؤكد أنها ستكون مع الأيام أرشيفا وتوثيقا نحتاجه للمقارنة بين قوى الشر وقوى التحرر، فهي وإن كانت ذات سمة مثاليّة أمام الناظر، إلا أنها ضرورة ازدادت انتشارا بحكم تخطيها لكل المصدات والممنوعات، ووفقا لهذا الأساس لن نجد ما هو مزيف وغير مهم.

في الحقيقة الصور تنتهي بلسان ينطق لكل ما هو موضوعي، وكل ما هو خاضع للتعيين، والإنسان  مع مرور كل هذه السنوات باق في حاجة ملحة ليرى ما الذي ارتكبته الحروب من دمار، وكم على الإنسان أن يمنحها اعضاءه.