استطلاع: عمار عبد الخالق
أي معنى نبحث عنه بمأدبة النخلة الطويلة لنعبرعن فسائلنا من أبواب يجتمع عليها الطارق والداني لندرك سر الوهلة الأولى في التفكير والتعايش .
ونقنع معطف الفأس أن لا يرتكب خطاياه بجسد الاستشراق ويترك لنا أسئلة وأجوبة عن أعماله الأخيرة بظل استعاراتهم ومجازاتهم بما هو متكرر ومبتذل وشائع على تقنيات الكتابة الأدبية اليومية أو التعامل مع جذور {الأدب} بشكل عام . هل هناك مسار سيبقى بعدما تغيب الأسماء وتترهل الكلمة إلى الفلوات وتخرج من دائرة العمل الأدبيّ والإبداعي سوى في الصحافة أو المنصات الثقافيّة أو التدقيق اللغوي وغيرها من الأعمال الشائقة الأدبيّة بعد ارتدئها فستان الأزياء الأدبيّة الحقيقية. من سيكافئ الاسم بقلادة الحياة المنخورة من الأسفل .أن تمنح حياتك للأدب بكاملها هل هي حالة تماهي في ظل الصراعات المتلازمة الاجتماعية أو الاقتصادية والأبرز السياسية المتجذرة بقوالب النهارات الباردة والمساءات المتآكلة .
يرى الكثير من صنّاع الكلمة واشتغالتها في الأدب إنّنا لا نملك سوى سجية الكتابة الشعريّة والأدبيّة اليومية عبر “الميديا كومنت” العاطفةِ و”لايك” الحضور! أصبحت عادة نمارسها كعادتنا الأخرى مع الأسرة أو الأصدقاء .
هل هذه العادة التي يُمارسها الكثير بمنحى حياتهم الأدبيّة اليومية، هي معالجة نفسيّة أو ثابتة على موقف أو مساعدة في صناعة حل لأزمة معينة أم العكس، في سؤال الصباح ماذا يعني أن تمنح حياتك للأدب؟
يرى الشاعر والمدوّن شاكر الغزّي أن يهب البعض حياته بكاملها إلى العمل (البزنس)، فيتحوّل إلى آلة بلا مشاعر ولا أحاسيس، ويسيطر التأويل البراغماتي (النفعي) على نظرته لكلّ العلاقات والروابط. آخرون منهم يتحوّلون تدريجياً إلى تطبيقات علميّة بحتة تعمل بالبرمجة والاحصائيات.
ويقول الغزّي، إن “ثمّة بُلهاء يعيشون بلا أدنى معنى لحياتهم أمّا نحن، فنتلمّس الحياة الحقيقية في الأدب، حين يصبح للحياة معنى، معنىً ينبثق من أعماق النفس الإنسانية باتجاه الآخرين والطبيعة والكون بأسره.
ويُضيف الغزّي أن “الأدب الذي يرادف الحياة الحقيقية هو نتاج الانزواء والتأمّل وحب المعرفة والتجرّد! هو امتزاج التفاصيل اليومية للحياة المعاشة بمشاعر الإنسان العارف، المتطلّع إلى ما هو غير مألوف في ما هو مألوف “.
ويؤكد الغزّي أن الأدب ليس كما يتوهّم البعض، بأنّه نشاط كماليّ يمكن الاستغناء عنه عند ترتيب أولوياتنا، ولا هو ترف تُملَأ به فراغات الوقت، بل هو المعادل الموضوعيّ لكلّ الخراب والقبح والتوحّش الذي يتسرّب من النفس البشريّة غير المهذّبة بالأدب إلى العالم الخارجيّ.
ويعتبر أن الأدب مرادفا للجمال والدهشة والمفارقة التي يمكن أن تحدث فارقاً في الحياة، وتمنح الأشياء قيمة ومعنى، ويجعل الحياة تستحقّ أن تُعاش، ذكروا أنّ بورخيس كان ينزعج حين يُسأل: ما فائدة الأدب؟ كان يقول هذا السؤال غبيّ جدّاً، ثم يردّ مستغرباً: لا أحد يسأل عن فائدة تغريد الكناري، أو منظر غروب شمس جميل!.
وختم الغزّي حديثه برؤية إنَّ الأدب قديم قدم الإنسان نفسه، فملحمة كلكامش والأساطير الأولى، كانت مع الإنسان الأول لتقدّم له رؤيةً حقيقية عن الحياة، ومعنى أن يعيش، وما الذي يستحقّ النضال والكفاح.من جهته، قال الصحفي والشاعر علي الياسري: صدقاً ماذا يعني ذلك في ع الم غاب معناه؟ يعني أن تحاول تأثيث حياتك بما يلزمها من القيم، التي لولاها ستشعر أنك رقم جاهز للحذف دائما.
أوضح الياسري مضيفاً: لقد كانت سلطة الأدب طريقة لسلب حياة الأدباء والقرّاء، وهذا اعتداء طيب ومحمود، فما تركت لأغلبهم فرصة المنح هذه، بل استجابوا وخنعوا لطغيان الجمال وأظافره الجميلة التي تجرحُ دائما، فأهملوا تفاصيل الحياة العادية وشروطها المبتذلة، وهاموا رغبة بالغرائبي وتلهفاً للنزر اليسير. وفي سياق حديثه أشار الياسري: إذا استجبنا للسؤال وسياقه.. فإن الأدب منحنا، فرصة أن نأخذ من حياة الآخرين ما نريد، على غفلةٍ منهم، وبكل أدب.في المقابل بيّنت القاصة والمدوّنة دارين زكريا أن “الأدب هو الذي يمنحنا الحياة، كونه يخلق لنا حيوات أخرى نعيشها فعلياً، في خيالنا الذي يعبّرُ عن نفسه شعرياً أو سردياً كما في القصص والروايات أو في الواقع حين نلتقي بمن يشبهنا ولو قليلاً في الملتقيات الأدبيّة المتنوعة المقامة في دول مختلفة”.
وأكّدت زكريا أن “الأدب على اختلاف أنواعه، متداخل بشكل أو بآخر مع معظم تفاصيل حياتنا، بشعورنا، رؤيتنا، تفكيرنا وتواصلنا مع الآخر والمحيط .إن كنتَ مِمَن يحوكون الكلمات، فمن غير الممكن أن لا تلبسَ نسيجها فعلياً”.
أما الشاعر عبدالزهرة زكي فيشير في كتابه النظري (طريق لا يسع إلا فرداً) إلى أننا لسنا نحن الذين نهب حياتنا من أجل الأدب، فيقول: الأدب، بأرفع نصوصه وأعظمها، هو ما يهب لنا حياة تظل تسعى من أجل مقاربة تلك الرفعة التي يأتي بها الأدب إلينا.
أوضح زكي في الكتاب أن الأدب هو ما يغير حياتنا وطبائعنا ورؤانا في الحياة والوجود والكون. وتأسيساً على هذا فإننا لسنا بالواهبين إلى الأدب، الأدب هو الواهب والمغيّر .
وأعرب الشاعر عبدالزهرة زكي في هذا الكتاب عن الطبيعة الفاعلة التي يكون فيها الأدب قوة تغيير وجداني ومعرفي في حياة الأمم والأفراد”، فيرى أن هذه الطبيعة الإيجابية التي ينطوي عليها الأدب والفنون تكون فاعلة كلما صادفت حياةً مهيأة للتحول ولامتصاص تلك الطاقة الإيجابية الكامنة في روح نصوص الأدب، ولعل حياة الأدباء النادرين وحيوات القراء الذين يضارعون الأدباء والكتاب في ندرتهم هي مثال لهذه الحياة المهيأة للتحول والتغير والانسجام مع الروح السمحاء التي ينميها فينا الأدب”.
من جهته، يرى أسعد الموسوي، وهو صاحب منصة أدبية، أن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، “فأنا قررت أن أهب حياتي كلّها للعلم والفن والأدب، وأن أسهم بنشر الأدب قدر الإمكان ليتحسس الإنسان جمال هذا العالم، وجمال نفسه وعظمتها، وأن يحافظ على صورته بكل جوارحه”، على حد قوله.
ويضيف أن “مكانة الأدب من الإنسان، كمكانة الأم من ولدها، فالأدب يهذب نفس الإنسان وغرائزه ويرتقي بمشاعره وإنسانيته، بل ويبعده عن كل ما يضرّه، ويجعله قادرًا على اتخاذ القرارات وقريبًا من الحقيقة دائمًا”.
ويتابع أن “يكون الأدب جزءًا لا يتجزأ من منظومة حياتي على كافة الأصعدة، هذا أمرٌ ضروري، أن أمزج اهتماماتي وانجازاتي بالأدب، لأحافظ على اللغة والرّقي الأخلاقي والفكري، حتّى وإن لم أكن أديبًا وروائيًا أو شاعرًا فطحلًا”.
ويوكد: أدرك جيدًا أن القراءة عن الأدباء والفنانين يكسبني شيئًا من رؤيتهم وجزءًا بسيطًا من إبداعهم وأساليبهم، ويجعلني اكتسب خبرةً كبيرة من تجاربهم.