علي حمود الحسن
"التزم بخطك" ،" لا تثق بأحد"، "لا تقاتل في معركة بلا أجر"، اياك والتعاطف فهو ثغرة"، "تصرف وفق مخطط مدروس"، هذه الوصايا وغيرها يرددها بطل فيلم " القاتل"(2023) الذي أراد له المخرج الأميركي ديفيد فينشر، العائد إلى جمهوره بعد خمس سنوات من الغياب، أن يكون قاتلا مأجورًا معولمًا يتحرك مثل ريبوت، عقل متوقد بلا عاطفة، ينفذ جرائمه، التي يعتقدها عملًا روتينيًّا بمهارة، مستخدما وسائل تقنية لا تخطر على بال، يعتقد أنه لا يخطئ، فهو غالبا ما يُذّكر نفسه قبل أي خطوة يتخذها، مغتربا ومنعزلا أقرب إلى العدمي (كما أبطال فيلم فينشر الشهير" نادي القتال" ) ينتظر ضحيته بصبرٍ وإن امتد لأيام، وسيمًا ممشوق القد "كجول" يلتهم الأكلات، التي يعرف عدد مطاعهما، هذه الشخصية الإشكالية، رسمها فينشر بمشاركة كاتب السيناريو الأثير لديه اندرو كيفين واكر، عن قصة فرنسية مصورة كتبها اليكسيس نولينت .
تدور أحداث الفيلم حول قاتل مأجور محترف، يخطأ في قتل هدفه، فتقرر الجهة المدبرة، إخفاء معالم الجريمة وظلالها، وذلك بتصفية القناص، فيهاجمون بيته، وتنجو صديقته بأعجوبة.. يقرر الانتقام وتبدأ الرحلة بقتل منفذي الجريمة بقسوة ودم بارد.
فرش ديفيد فينشر بناءه السردي، على ستة أجزاء وخاتمة؛ ففي الأول يتخذ القاتل طابقا مهجورا قبالة الفندق، الذي سيسكن ضحيته إحدى غرفه.. يقضي أياما يراقب المكان، الذي بدا موحشًا وباردًا، يمارس رياضته المفضلة، وينهمك في التدقيق بالتفاصيل، بينما نسمع ما يجول في خاطره من خلال التعليق الصوتي (فويس أوفر)، ونجح "البطل " من خلال تفاصيله الصغيرة، وعلاقته بالمكان من إقناعنا بقوته وتصميمه على تنفيذ مهمته، يعيد وصاياه كأنما يُذّكر نفسه، وحينما أطلق رصاصته القاتلة، أخطأ الهدف، يتصاعد إيقاع الفيلم بعد قرار الممول تصفيته، فهاجموا بيته وكادوا قتل صديقته، يقتفي أثرهم واحدًا واحدًا ويقتلهم بقسوة.. نفذ فينشر مشاهد المطاردات والمواجهة العنيفة والمثيرة بينه وبين المجرم، الذي حاول قتل صديقته، بطريقته المثيرة والشيقة (لقطات عامة، إضاءة كابية، قطع سريع، كادرات مشغولة ومؤثثة بجمال ودلالة، أبطاله عصابيون.. الخ)، بينما كان فصل لقاء البطل بالخبيرة" (المكلفة بتصفيته) في مطعم، الأجمل والأكثر اثارة، وذلك من خلال الأداء المقنع لتيلدا سوينتون، التي طغت على أداء مايكل فاسبندر المبهر، اذ كان حوارها معه من طرف واحد آسرا، وهي على يقين أنها ميتة .. تحكي له بقصة بذيئة عن الصياد والدب لكنها ذات دلالة"، لا يستجيب لها، يصطحبها إلى الخارج ويقتلها.. يختتم الفيلم بالقاتل وصديقته، وهما يتطلعان من شرفة بيتهما الأنيق إلى البحر وأفقه اللازوردي .. هذه النهاية ومستوى الفيلم لم تكن متوقعة، على الرغم من وجود لمسات ديفيد فينشر الفريدة، إلا أن الفيلم لم يكن بمستوى أعماله، التي ادهشتنا في "سبعة"، و"مانك"، و"زودياك".