نصير الشيخ
يقول "ماتسوو بانشو" مؤسس الهايكو "أنا لا اتبع طريق من سبقوني، وإنما أبحث عن الشيء الذي كانوا عنه
يبحثون".
صفاء فاخر، في مجموعته الشعرية "يتسلقُ خطوط العرض" يترجم لنا معادلته الكتابية في نص "الهايكو"، جامعاً فيه الشكل الهندسي المكثف الذي عُرف به نص" الهايكو" واشتراطاته الفنية والجمالية، عبر تخليق لغة نصيةٍ مكتفيةٍ بدلالاتها ورمزيتها ودهشتها بالوقت نفسه. لذا يجد الشاعر هنا طريقه وأسلوبه المميز، راسماً له بصمته الخاصة في قوله الشعري، إطارها ما تطامنت روحه وثقافته مع الشعر العربي، لفظاً وإيقاعاً وصوراً شعرية تشي ببلاغتها.
وبذا نمسكُ في نصوصهِ حداثة التشكيل الصوري المنسجم مع إيقاع عصرنا السريع، عبر التقاطاتٍ صورية مكثفةٍ تمتد أمامنا عرضيا، هي بالتالي صور حياة دافقة في جوها العام، تلتقطها العين الشاعرة الباصرة في لمحها تارة، وتأخذ شكل الاستدعاءِ عبر الوعي الناشطِ لديه، ومن حفريات اللاوعي الشاغلِ كيان الشاعر تاراتٍ آخر..
وكأن " صفاء فاخر" ممسكٌ خيط طائرةٍ ورقية، يمرح معها وبها في سماواتها الزرق، وهو لا يترك ما لديه على عواهنهِ، بل يحضر بكل كيانه في نصه الشعري، بيئة وموروثاً ثقافياً وتجربة حياتية.
من هنا تسعى الكتابة لتدوين ما يعتمل في النفس وعبر معاينتها للأشياء والطبيعة والأمكنة، ذلك انها أي الكتابة هي الأثر الجمالي، الذي يجدد حضوره عبر مسامات التاريخ والمعنى. وإذا كانت اللغة هي جسد الهايكو، فأن الوصف عيناه ويداه نص "الهايكو"، الذي يعيش الآن ابهى حالاتِ انتشائهِ وحضوره النوعي كجنسٍ كتابي من حقول الشعر، باعثاً فرادته عبر تخليقه عوالم جديدة لصهر اللغة وتكثيف صورها وشحن معناها، وبما يمد جسور التلقي بين النص
والمتلقي.
الشاعر وهو يدون نصوصه، التي قاربت ثلاثمئة نص واكثر، حمل رؤاه وكشوفاته ونظراته، عابرا ضفاف البوح العاطفي "السنتمنتالي" إلى مراقبة واسعة لتحولات الاشياء والأمكنة والحيوات في التقاطاتٍ اختارت منطقة الشعر تدويناً وبيئة نصية، مسجلا لنا موقفه الوجودي والفكري، مفتتحاً لنا نوافذ نطل منها على تواريخ يحضر فيها العراق تاريخا وجغرافيا ومرابع صبا، وتتوهج "سومر" بكحلِ النساء الرافدينيات واساطيرها، وتتكاثف حكايات الجنوب ولادة الشاعر وسلسلة ذكرياتهِ، وينهض الحبُ تجربة طازجة ووقائع يومية، عابرا خيباته نحو أملٍ جديد وحياةٍ مبتكرة، كل هذا متطامنًا في روح الإنسان ونفس الشاعر المتأملِ دفق هذا الوجود في مغتربه
الهولندي.