علي العقباني
يشبه نفسه كثيراً في حياته وأسلوب لوحاته.. ويرى أنّ الفّن التشكيليّ هو الأقدر على إعطاء القيم الجمالية وملامسة الروح الإنسانية، فهو فن فردي يمكن مشاركته مع الناس بشكل كبير لكونه أكثر ديمومة من بقية الفنون.
تعرض موفق مخول خلال مشواره الفني لانتقادات ومواقف متباينة، لكنه كان يفعل بحب ما يفعل، ولا يكف عن الرسم والحياة والسخرية والانتقاد والحب والحلم.
مخول رجل نور في عتمة، لون في بياض، عاشق في سواد قلوب، فنان من لون وضوء وكلمات، كان معرضه الأخير في دمشق الذي حمل عنوان (بقعة ضوء)، هو بقعة صغيرة بحجم حياة مستوطنة في ذاكرة الروح من لون وثيمات متسقة مع شخوص لوحاته المتشحة بالسواد في ارتال وانساق بشرية مسلط عليها الضوء من هنا
وهناك.. عوالم حياة لا تختفي خلف ظلال الشخوص والألوان والأضواء، لكنها تظهر في تباينات التجاور والمشهديّة والقراءات المختلفة لما تقوله.
آراء وأفكار خلّاقة يبتكرها مخول عبر حياته وعمله في "متحف العلوم، والمكتبة التربوية"، فضلا عن كتابه "مخوليات"، وما يمكن أن يكتبه كل يوم عبر صفحته الخاصة في منصات التواصل الاجتماعي و طريقة تعبيره الساخرة عن أحوال البلد.
يعد الإنسان هو محور لوحات مخول، الذي يشتغل دوما على إنجاز الجديد، فيرسمه وكأنه أيقونة يكتسيها الضوء والقداسة والدفء والحياة عبر سلسلة من تاريخها الحضاري، ويحاول تقديمه بتعبيرية مدهشة ورمزيّة موشاة بحداثة تأخذ هويتها من تكويناتها وتشكيلاتها وعناصرها المتنوعة.
شخوص مخول غالباً هي واقفة متراصة قريبة من بعضها البعض، ولكن بملامح مبهمة، تنتظر.. وبتنوع هذه الملامح نكتشف موضوعات العناصر الإنسانية، وهي في حالاتها المختلفة، مثل الخوف والقلق والهلع والترقب والتوتر الداخلي والخارجي، وهي محفزة للمتلقي كي يعرف ما خلف تلك الجموع.. أي لغز فيها، أية أسئلة، ربما يتركها مخول ليوم تجيب فيه هذه الشخوص عن تلك الأسئلة التي تؤرقها.
في أعماله، ثمة تركيز على ضوء محيط بالأفراد حتى وهم يعيشون مأساة كبرى.. خافت وكأنه ضوء شموع الكنائس المائل إلى الأصفر ولا يقود إلى توضيح الملامح، مناخ قدسي غير جنائزي روحاني غير ديني، تشغله هواجس الحياة واللون والنور والعتمة بتجاورات لافتة، وبتآلف وسكون وتكوين تعبيري ذاهب نحو ما هو خارج الأطار حتى العالم الخارجي واحساس المتلقي باللوحة.
وموفق مخول من مواليد 1958 خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم التصوير التي كانت قفزة مهمة في مسيرته الفنية عبر انتقاله من الموهبة إلى الاحتراف ودراسة الفن بأسلوب أكاديمي إلى أن تخرج عام 1982، له العديد من المعارض الفردية والجماعية، وإضافة لكونه مؤسس المتحف المدرسي للعلوم أنشأ مكتبة دمشق التربوية التي تضم أكثر من 40 ألف كتاب ومراكز الفنون التشكيليَّة في وزارة التربية، وهو مشرف عام على فريق إيقاع الحياة المؤلف من مجموعة فنانين زينوا دمشق بأكثر من سبع جداريات كبيرة في أماكن مختلفة.
أعمال الفنان التشكيلي موفق مخول تأخذنا دوما في رحلة لونيّة وبصريّة وتعبيريّة مليئة بدفء المكان وحميمية المشاهدة، وإمكانية تحويل المقدس إلى يومي وحياتي وإعطاء الحزن إمكانية أن ينقلب إلى فرح صاخب في لحظات، محاولاً تجسيد المعنى الحقيقي للإنسان والوجود مسلطاً الضوء على نور ساطع من أرواحهم وسط عتمة هالكة.