شاكر السماوي يطير بجناحين من بلور

ثقافة شعبية 2023/11/23
...

 سعد صاحب

الماء والبحر والسفان والموج والابحار والرحلة، مفردات حيوية في معجم شاكر السماوي، وهذه الكلمات عادية باستخدامها الرتيب، وحين يتم إدخالها في القصيدة، فإنها تتحول إلى أفكار وفلسفة ورؤى وعقائد، وكتابات السماوي بشكل خاص، لا تعطيك نفسها منذ الوهلة الاولى، وتحتاج إلى قراءة متأنية دقيقة، لاكتشاف طبقات المعنى المخفية ما بين الحروف.(اوصعدنه العالي والعالي/ أويلن حطنه على ضيه/ نهر بجروف فضيه/ بهرني وذاب كل ذاك التعب بيه/ أوهجست الروح بين ادماي تمشي أوياي كمريه/ أوسبح جفني ابزراكه أووحشته أوفيه/ أو شواطيه بعيد ابعيد/ ما جفن الكدر يشبك شواطيه).

إيقاعٌ موسيقي
صور السماوي تميل إلى الصعوبة، وقاموسه الشعري يتسم بالتعقيد والتشابك والتعالي، وأبعد ما يكون عن البساطة والسهولة والمجانية والمباشرة، فهو يتوغل في عمق البحار الهائجة، مثل بحّار مشاكس لا يخشى من الامواج والرياح والطوفان والحيتان الخائفة، ولا يعود من رحلته المجهدة الا بصندوق من الجواهر النفيسة، وعلى مستوى الوزن ملتزم بالايقاع الموسيقي مع بعض التنويعات والتراكيب والاشتقاقات النغمية، ذات التلاؤم والمقبولية والتناسق.(تلكاني شبح يضوي رماد اخضر/ اكربت منه تفرزنته/ خيال ابيض عليه النور يتكسر/ اكربت منه/ كبر فوك الرمل تمثال يتعثر/ اكربت منه لكيته امسافر ابشيبه/ أومتاعه حنته أوطينه/ اكربت منه تهمهم من تلكاني/ غريب انته يبين من سمه اعيونك/ تلجلجت أوكلته ابشوك شسمهه هاي ديرتكم يحادينه).

قناديل الأمل
السماوي يكتب عن عالم مقبوض الروح، تعيش الناس فيه مشدودة الاعصاب، والنهر لا يمثل البراءة كما المعتاد، بل هو في بعض الحالات، جزء لا يتجزأ من منظومة البشاعة والانحدار والتحامل والسقوط والمأساة والارهاق، ولا بد من اضاءة قناديل الامل، في دنيا من الشرور والانانية والفشل والعدوان والخوذ والقبب الحديدية والسلاح، وصعوبة التواصل وتجاوز الاطواق في حياة جامدة، خالية من الحركة والنقاء والذوق والخصوصية والتناغم.(اوتحومه الخوف بعيون اشتهت لو عافت الجيه/ أومشينه ابشوك عاريه/ يعته الخوف والنيه/ أوتلكاني برج سد الجسر والماي/ أوسد عين السمه بعيون كل جاي/ برج تندهنه بيبانه/ برج هالة شبابيجه حبر فضي سطع بينه/ برج تخدر عليه العين لو مرت على الوانه).

آفاقٌ بعيدة
يريد منا الشاعر أن نهتم بالجسر بشكل حقيقي، ليس لكونه حيزا من مدينة تتطلع نحو الافاق البعيدة، بل لانه يستحق الاهتمام من وجهة نظره، ولا يحق لنا المرور عليه بلا مبالاة، وكل مقطع جديد يعزز هذا الشعور الانساني الرهيف، المشوب احيانا بالعبث والتمرد والسكون والثورة والانفصال.(اوصحينه ابصوت حادينه نده بينه/ الجسر ينده قرابينه/ الجسر شنهي الجسر ويريد/ من جدم اليسافر بيه قرابينه).

عوالمُ شعريَّة
لا تخلو فكرة الاعلاء من شأن الجسور، من حالة خيالية مجنونة، يبني عليها الشاعر العديد من العوالم الشعرية الخالصة، حتى لو كنا لا ندرك ماذا يريد من هذه المحاكاة بين الجماد والبشر، التي تتصف بالسخرية و التهكم والنقد والغرابة والايهام، حيث يتم تحويل المشاعر الجياشة إلى الحديد، والبلادة إلى الاجساد المكتنزة بالدماء والروح والحياة والارادة.(النور غافي والشوارع/ جن شرايين انتهى بيهه العمر/ والشعارات العتيكه اتذب ضواهه اتذب حجيهه/ اتذب تعبهه أوتغفه بعين اليمر/ والحياطين العتيكه الجودرت فوك الصبر/ اتثاوبت بيهه صورهه المنطفي بيهه الحبر/ اتبسمرت بيهه جثثهه/ بلام لاذت من تعبهه ابوحشة اخيال الجسر ).    

الشعر الجيد
من يعتقد أن هذه الصور الشعرية المختارة، مباشرة وذات أفق محدود فهو خاطئ، فهي مفتوحة على جوانب غير واضحة المقاصد، وتكمن ديمومة الشعر الجيد في هذا المنوال الاصيل، الموزع بين الامساك بالمعنى الكلي للحقيقة، وبين اللاوصول النهائي لسر الكلمات الغامضة.(واخذ ذاك البرج يشرب زلمنه واحد الواحد/ أوجنت فوك الجسر خدران/ لا اهجس سفر بيه/ ولا اهجس جنت رايد سفر لوما جنت رايد). شاكر السماوي شاعر مختص بالكتابة عن (المشاعر القاسية) بحسب وليم جيمس، والمقصود بهذه العبارة مختلف الحالات الانفعالية المعقدة، كالرعب والخوف والغضب والتوتر والعداء والعنف والفوران، وجلد الذات العربية الخائبة المقهورة بقسوة مفرطة، حد الادانة والتوبيخ والاستهجان والاذلال.(يا كلبي عارك هاكثر/ واكثر بعد من هاكثر/ ضمتلك اسنين العمر/ يا عاري يمجفن على اعيوني الصبح/ ما فززك رشاش جيفاره ولا مدفع فتح).