في ذكرى ميلادها الـ 88 فيروز.. تعتّق سنواتها إبداعاً وسحراً وأصالة

منصة 2023/11/26
...

 أحمد عساف 

«فيروز الصوت الوحيد الذي سيرثني على عرش الأغنية العربية»، بهذه العبارة ختمت أم كلثوم بالشمع الذهبي على مشوار فيروز، التي ولدت في 21 شرين الثاني/ نوفمبر عام 1935 ببيروت، فيروز صاحبة الحنجرة الملائكية النادرة، والصوت الذي غزى العالم ونال إعجاب الملايين. ولكن عبارة أم كلثوم لم تكن الأولى ولا الأخيرة، فقد ذكر فيروز عبر مسيرتها الفنية أبرز أساطين التلحين منذ بداياتها ولغاية اليوم.  

حليم الرومي 

عمد الفنان الكبير حليم الرومي منذ البداية على تبنيه لصوت فيروز، التي كان اسمها «نهاد وديع حداد»، وكان عن ذلك، يقول: (تأكدت بأن صوتها جديد ونادر، وأن الإذاعة بحاجة ماسة إلى هذا الصوت العذب، عرضت عليها العمل معنا كمطربة متدربة في الكورس، فقبلت على الفور، وبدأت بتعليمها وتدريبها على أصول الغناء. ومن ثم خيرتها بين اسمين فيروز وشهرزاد، إلا أنني رجحتُ لها اسم فيروز فوافقت عليه، ومنذ تلك اللحظة عرفت بهذا الاسم.

وذكر متابعاً: في نيسان عام 1950، قدمتها في أول أغنية لها، وكانت من ألحاني، وبعنوان: (تركت قلبي) ثم لحنت لها العديد من الأغاني، مثل: «حق الهوى، يا ورد يا أحمر»، وغيرها. 

وهذه الألحان والأغنيات المختلفة يقول عنها الرومي «نجحت ولاقت استحساناً شاملا». 

في عام 1951 قدّم الرومي فيروز للملحن والمؤلف الشاب آنذاك عاصي الرحباني، ومنذ تلك اللحظة بدأت حياة جديدة، ومشوار جديد في تجربة فيروز الفنية والحياتية.  


الإخوان رحباني 

بعد 3 أعوام من التجربة مع الأخوين، وبعد قصة حب مع عاصي في صيف 1954 تزوجت فيروز من عاصي الرحباني. 

هنا، نصل في التجربة الفيروزية إلى تناول مباشر للاختلاف بين أساليب الملحنين اللذين زوداها بألحانهما، إلا أن اللون الغالب والمستقر لصوت فيروز وأدائها في أذن المستمع العربي، هو اللون الرحباني. من المؤكد أن التنوع في أساليب الألحان التي تحمل توقيع الأخوين رحباني بصوت فيروز، يعود إلى أسباب عدة، منها اختيار النص سواء لـ «أبي نواس، أو لعنترة، أو لجبران، أو لنزار قباني»، أو لغيرهم من الشعراء، إضافة لنصوصهم الغنائية العديدة، ومن ثم تلك الألحان الخالدة في تاريخ كرّسها كظاهرة. 

في البدايات كان منصور الرحباني ميالاً بالكامل إلى الموسيقى الغربية، وأن عاصي هو الذي شدّه إلى ضرورة الاشتغال في الموسيقى العربية، وكانت أقوى ذريعة له في ذلك أنه «ما دام جمهور فيروز عربياً، فالموسيقى العربية هي المرشحة لجذب أسماعهم». وبهذا كانوا (ثلاثيا جميلا من نص ولحن وصوت) جعل منهم ظاهرة فنية عربية لا تنسى. ودولة هي (الرحابنة).

 

زياد الابن 

من السهولة بمكان اكتشاف مرحلتين متمايزتين، غنائياً ولحنياً، في مسيرة تعاون فيروز مع ابنها الملحن الموهوب زياد الرحباني.. المرحلة التي ما زال فيها زياد يضع ألحانه تحت التأثير المباشر للمدرسة الرحبانية الكبيرة، والمرحلة الأخرى، هي التي بقي فيها هذا التأثير جزءاً أساسياً في تكوين شخصية زياد التلحينية، وإن كان قد خرج تماماً من دائرة التأثر المباشر بها. لقد كان ثمة خيطٌ رفيعٌ غير مرئي يجمع بين المرحلتين، ويشكل قاسماً مشتركاً بينهما، هو تأثير زياد الملحن، عندما يدفعه إحساسه باتجاه المقامات العربية الخالصة (مثل البياتي.. والراست). 

هذه التلاوين التي شكلت مراحل متعددة وألواناً مختلفة في ألحان زود بها زياد صوت فيروز، انعكست بدورها على أسلوب أداء فيروز لكل لون من ألوان زياد. ولكن في مرحلة تأثر زياد المباشر بالمدرسة الرحبانية الكبيرة، كان أداء فيروز يعتمد على المساحات العليا من صوتها، وتبدو فيه كل المزايا المكتسبة من المدرسة الرحبانية.

لعلّ شغف زياد المتوارث عن أبيه عاصي الرحباني، بآلة البزق، دفعه لتقديم ألحان تتطلب من فيروز طبقات صوتها (الوسطى والمنخفضة)، وهذه الميزة وحدها عبقرية زياد نجحت في إبرازها.

 لقد أنتج زياد الابن لفيروز الأم (ما يقارب ست أسطوانات) معظمها من ألحانه، وواحدة تعتمد على ألحان مستعادة من الأب عاصي. 


رياض السنباطي

تعاون يتيم صار بين السنباطي وفيروز، هذا التعاون ما زال حتى الآن لغزاً محيراً للجميع، فقد قام السنباطي بتلحين أغنية لفيروز من كلمات الشاعر جوزيف حرب، لم تبث حتى الآن، وما زالت السيدة فيروز تحتفظ بها ليومنا هذا.


محمد عبد الوهاب

كانت فيروز قبل أن يتم التعاون بينها وبين محمد عبد الوهاب قد غنت أغنيتين كان قد لحنهما وغناهما عبد الوهاب، وهما

«خايف أقول اللي في قلبي، و يا جارة الوادي»، للشاعر أحمد شوقي. بينما بعد لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب ثلاث أغنيات للسيدة فيروز، هي «سهار بعد سهار كلمات الأخوين رحباني، وسكن الليل، لجبران خليل جبران، ومربي، للشاعر سعيد عقل».

قال عنها عبد الوهاب: (إنها حاجة تجنن، وصوتها زيّ اللوز). 

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الموسيقار عبدالوهاب على الرغم من -نرجسيته- إلا أنه غنى مع «الكورس» وراء فيروز في أغنية «سهار بعد سهار».


فيلمون وهبي

انخرط فيلمون في سلك الرحابنة، وأمسى نجماً من نجوم مهرجاناتهم الدولية في مسرحياتهم الخالدة «قصيدة حب» و»جسر القمر» و»فخر الدين»، حضنت فيروز أجمل الألحان التي صاغها العبقري الشعبي الموهوب فيلمون وهبي، فغنت له 25 لحناً هي بشهادة الحق والفن والموسيقى، من عيون الألحان الشرقية. ومن الروائع الخالدة التي لن تنسى، منها على سبيل المثال (يا مرسال المراسيل، وجايبلي سلام)، وغيرها.

وقيمة هذه الألحان أنها كرست فيروز مطربة شرقية أصيلة، بعدما كانت منشدة رحبانية لبنانية تسكن دولة خاصة بها وبالرحابنة.


زكي ناصيف 

جاء تعاون الفنان الكبير زكي ناصيف مع حنجرة فيروز الذهبية متأخرا إلى حدّما. حين جمع لهما الشاعر الموهوب جوزيف حرب مختارات (جبرانية فلسفية وطنية)، بقصيدة بعنوان (في ظلام الليل مات أهلي).. فأبدع زكي ناصيف أيما إبداع في هذا اللحن الطويل، حيث لم يترك مساحة أصلية أو فرعية في صـوت فيروز إلا واستخرج منها أجمل أحاسيس صوتها. وهذا اللحن اندرج تحت ما يسمى بالأغنية الوطنية.  


محمد محسن

تبدو تجربة السوري محمد محسن، مع فيروز، موغلة في القدم، فقد لحن لها قبل أن يلحن لها الرحابنة عام 1950، وقد تجلت تجربة محسن مع فيروز أكثر نضجاً في رائعته (سيّد الهوى قمري). هذا العمل الخالد والمستثنى بعبق تلك الخصوصية الآسرة، الذي كلما أنصتنا إليه نتلمس فيه ذاك الجرس الموسيقي، الذي يدوزن نبض القلب مع إيقاع الروح، ثم تابع مع فيروز في أسطوانة مشتركة مع زياد الرحباني، في العام 2000.