خدّج شرق المتوسط

الصفحة الاخيرة 2023/11/27
...

عبد الهادي مهودر

"الإنسان في بلادنا أرخصُ الأشياء، أعقاب السجائر أغلى منه، آه لو تنظرين لحظةً واحدةً في قعر سرداب من آلاف السراديب المنشورة على شاطئ المتوسط الشرقي وحتى الصحراء البعيدة، ماذا ترین: بقایا بشر، ولهاثاً وانتظاراً يائساً، ووجوه الجلادين الممتلئة عافية وثقة بالنفس والضحكات"وقريباً من رواية (شرق المتوسط) روت الفلسطينيَّة آية الداعور، والدة طفلتين (توأم) من بين الأطفال الخدج، لجريدة (الشرق الأوسط) فصلاً من روايتها، قالت إنَّها وضعت طفلتيها خامس أيام الحرب في مستشفى الشفاء، وعادت بعدها إلى شمال قطاع غزة قبل الاضطرار للنزوح جنوباً نحو مدينة خان يونس، وطيلة 39 يوماً لم ترَ ابنتيها سوى عند الولادة "ظل قلبي مفطوراً عليهما طيلة الفترة الماضية ورافقني القلق والخوف بشكلٍ دائم..".
بهذه السطور لخّصت هذه المرأة قصتها في (خامس أيام الحرب) بأقوى عنوان لأقسى روايات هذا الزمان التي تؤكد أنَّ "القوة لا تحل مشكلة، يمكن أنْ تؤجلها، لكنْ لا يمكن أنْ تلغيها" كما قال عبدالرحمن منيف قبل نحو نصف قرن.
في الأسبوع الفائت كان الخبر الأول هو نقل الأطفال الخدّج عن طريق معبر رفح باتجاه مصر، وعددهم 31 طفلاً برفقة خمس عوائل فقط، والبقيَّة بلا آباء ولا أمهات ولا أشقاء، ورأى كل العالم صوراً غير مسبوقة لحربٍ شارك فيها الخدّج للمرة الأولى في التاريخ.
السؤال هو كيف سينشأ هؤلاء والجيل الخارج من تحت الأنقاض؟! كيف سيكون ردّ فعلهم على بيئتهم وأي حقد سيفجرونه بوجه محيطهم المتفرّج حين يعرفون بقصتهم التي لم تهزّ ضمير العالم، الذي احتفل بيوم الطفل في العشرين من تشرين الثاني لحظة عبورهم معبر رفح!؟ والجيل الخارج من الحرب سريع الانفعال، حتماً سيجد من يعبئه مرةً أخرى ويقول له "للمرة الأولى أريدك أنْ تكون حاقداً وأنت تُحارب، الحقد أحسن المعلمين، يجب أنْ تحول أحزانك الى أحقاد، وبهذه الطريقة وحدها يمكن أنْ تنتصر، أما إذا استسلمت للحزن فسوف تُهزم وتنتهي، سوف تهزم كإنسان، وسوف تنتهي كقضية" هل يدرك الصانعون لمآسي الشرق الأوسط أنَّ الغطرسة ليست هي الحل وأنَّ المأساة ستتعمّق، ما دام هناك أطفالٌ يكبرون ويتذكرون القصة.