زيادةُ وعي الأجيال الجديدة بعد ثورة المعلومات

ولد وبنت 2023/11/27
...

 عواطف مدلول
 تصوير: خضير العتابي

لم تكن صادقة تلك المقولة التي تؤكد بأن الحياة لا تمنحنا الفرص بشكل دائم ومتواصل، على العكس تماما فإن الزمن تغير، وأصبح بكل خطوة هناك محطة أو ربما أكثر تفتح نوافذها لنطل من خلالها على أحلامنا، التي نرغب بتحقيقها، وماعاد شيء مستحيلا امام الجميع، المشكلة تكمن في الشخص لا في البيئة، إذا استطاع أن يتنبه للمنح الإلهية، التي تحيط به ويعمل على استثمارها لبلوغ طموحاته، لا سيما بمرحلة الشباب، حيث النشاط والحيوية والسعي الكبير لخلق مستقبل مشرق عظيم.
بالسنوات الأخيرة وفرت ثورة المعلومات المتمثلة بالانترنت والسوشال ميديا ظروفا مناسبة، لزيادة وعي الشباب حول تطوير امكانياتهم  من خلال إطلاعهم على تجارب حية خارج الحدود المحلية، والاستفادة من وفرة الأفكار بشأنها، ما يسهل بعض الأمور التي تعد صعبة أمامهم
سابقا.

 جهل وأميَّة
يعدُّ الجامعي أحمد خالد أن الأهل لهم دورٌ أساسيٌّ  في توجيه أولادهم إلى الوسائل التي تؤدي لاكتشاف الذات والتزود بالثقافة، من خلال التشجيع والحماس للنهوض بهم، قائلا: أتألم جدا عندما أشاهد بعض الأسر، التي ما زالت تعاني الجهل والأمية، بحيث تمنع أبناءها من خوض التجارب، وطرق كل الأبواب للتعلم، لأنها تعتقد أن التربية الصحيحة هي قمع مواهبهم وتخويفهم من الفشل، وخصوصا اذا أخفقوا مرة أو مرتين فلا يسمح لهم بالمحاولة مجددا.
وترى المدرسة السيدة نيران عبد الله  في السابق كان الشخص يعتمد على المناهج فقط في تعليمه مع بعض الوسائل الأخرى المحدودة، أما الآن حتى لو كان الشخص بالبيت بمفرده يمكن أن يستغل وقته للإبحار في العلم، وإذا كان يبحث عن بعض الاختصاصات فقد تعددت فروع الدراسة كذلك، لا مجال للفشل أبدا، لأن هناك خيارات عدة للابتكار والإبداع.

 كيان خاص
في حين رؤيا محمود طالبة إعدادية وتعمل بمحل لبيع الملابس النسائية قريب على محل سكن أسرتها،  تشير إلى أن وسائل التواصل أحدثت انقلابا بحياتها بعد تعرضها لأزمات نفسية شتى جراء ظروف قاهرة، استطاعت أن تخرج من ظلمة واقعها إلى النور كما تصف حالها، فأكملت دراستها واشتركت بمجاميع داعمة للمواهب، شكلت دافعا لدخولها بدورات في مجالات مختلفة، وعلى اثرها حددت أهدافها بوضوح ورسمت مستقبلا تجتهد في سبيل الوصول اليه، تقول: اكتشفت نفسي بأني لست ضعيفة، بل قادرة على أن يكون لي كيانٌ خاصٌ بي، بالذات بعد أن وقف والدي بجانبي وذلك ما أشعرني بالقوة.

طاقات عظيمة
تبيّن رجاء حسون المسعودي مدربة تنمية ذاتية وميسرة بمسارات الوعي، كنّا في الماضي نسعى للحصول على كتاب لنقرأه، الآن صارت الكتب منتشرة الكترونيا، وممكن أخذ النسخة التي نريد، حيث هناك فضاء مفتوح على المعلومات والتدريبات والتطور والتوسع بالوعي، لذا مهم جدا أن نكرس من وقتنا لشبابنا، أولادنا، وبناتنا، ونعمل على توجيههم نحو هذه الإضاءات، بحيث نعطي من أرواحنا وقلوبنا تلك المحبة لأن المعرفة محبة، ومن الضروري منذ نعومة أظافرهم نزودهم بالأشياء، التي تعود عليهم بالنفع في حياتهم، ونختار لهم حتى يصلوا لمرحلة عمرية معينة نترك لهم حرية الاختيار، يقررون الأفضل لنفسهم بعد أن يصبح لديهم توسع بالوعي، فينتقون الأمور، التي يميلون لها وبأي مجال يجدون رغبتهم فيه، المهم بالموضوع أن نكون نحن منفتحون على هذا التوسع، خاصة في ظل السوشال ميديا، والطاقات العظيمة الموجودة الآن على الأرض، وما يحصل حولنا، بالمقابل أيضا كيف ممكن أن نستثمر تلك الطاقات من جهتنا بالشكل الذي يؤثر إيجابا علينا وعلى أولادنا.

سلبيات المجتمع
مضيفة: بالتاكيد لن نلجأ لتربيتهم بالصعوبة والطريقة نفسها، التي تعتمد على القساوة والتي تعلمناها قبل، ونشأنا عليها، ففي وقتنا كان المعلم صارمًا، بالرغم من أنه مشكورٌ، ثبّتنا على مبادئ حقيقية حسب وعيه بذلك الزمن، وبالتالي وعينا ووجدنا بأننا نمتلك قسوةً حتى على أنفسنا، لأن كل ما يحيط بنا كان يتطلب أن نكون بتلك الصورة، الآن تغيرت الدنيا، ودخلت مفاهيمُ وسبلٌ جديدة للتعامل مع أنفسنا والآخرين، تقوم على نوع  من الليونة  والمرونة.
كما توضح المسعودي من الرائع أن تفتح منافذ أكثر للدراسة وبشكلٍ أجمل وألطف، وهذا ما يجري حاليا، ولذلك ينبغي أن نستغلها بأولادنا، لذا أتمنى أن تأخذ الدولة على عاتقها تخصيص مناشئ وأماكن لتنمية مهاراتهم، وتحقيق تطور ذاتي على كل القطاعات، ثمارها أن تخلق لشبابنا رؤية أفضل وأعمق، بحيث يكون لديهم حافز قوي ووعي عال مثلا بالاستثمار، وبالحصول على المعلومات العامة عن كل القضايا التي ترفع من مستوياتهم، فمهم جدا أن نربي جيلًا يكون على درجة من المعرفة والدراية، ويحقق تفاعلا مع كل سلبيات المجتمع، بحيث يتعامل معها بانسيابية أكثر وينسجم بصلات وعلاقات صحية مع المحيط.

الثروة الأثمن
ولفتت المسعودي إلى أنه من جهتنا لا بدَّ أن نكون مساهمين  بشكل أكبر، فالأجيال السابقة كل واحد له مسيرة خاصة أو كون خاص به، لا بأس
إذا أدرجنا بقوائم المتعلمين، وتنظم لنا دورات خاصة، تضم الآباء والأمهات وكبار السن، فمن الضروري أن نكون متصالحين متشافين نحن الكبار، حتى نخلق بيئة ملائمة لتعليم
الأبناء الوعي الذي يسهل عليهم عملية توظيف مهاراتهم وقدراتهم، وينعكس ذلك على كل أفراد المجتمع، خاصة إذا هيأت أمامهم خيارات عدة، وبالتالي نصل بسرعة مذهلة باتجاه تنفيذ خطط البلد بكل سهولة ويسر، لأننا نجحنا بإنشاء جيلٍ لديه ستراتيجيَّة وأجندة لما يفعل، وذلك لن يخلق كونًا واحدا، إنما أكوان نشارك بها جميعا، حينما نتضامن مع الشباب الذين يشكلون الثروة الأثمن في
البلد.