التبغ الرخيص يثري التجار ويهلك أرواح الشباب
ريبورتاج
2019/05/14
+A
-A
بغداد / بشير خزعل
تصوير : نهاد العزاوي
تملأ الاسواق العراقية عشرات انواع السجائر المستوردة التي تدخل البلاد من مناشئ مصنعة اغلبها غير معروفة ، ورخص ثمنها يدل على انها محاطة بعشرات الاسئلة التي تشكك في عدم مراعاة ادنى شروط الصحة الصناعية، كما ان التبوغ المستخدمة في صناعة هذه السجائر هي الاخرى محاطة بشكوك خلطها بمواد اخر مصنعة لتحل بديلا عن التبغ الذي تكون نسبته ضئيلة في انواع اصبحت تخلط بمطيبات وعطور يؤدي حرقها الى تولد ابخرة تقود الى امراض سرطانية قاتلة حسب ما اثبتته بعض التجارب المختبرية لبعض المنظمات الصحية في اوروبا وآسيا .
أمراض
مئات الشباب بأعمار لاتتجاوز من
18 - 30 سنة اشرت اصاباتهم في المستشفيات بأمراض صدرية خطيرة بسبب الادمان على التدخين بانواع رديئة مجهولة الهوية للمصنع وغير خاضعة للرقابة وشروط التقييس والسيطرة النوعية .
في بورصة الكفاح وسط بغداد تتزاحم مئات المكاتب و(البسطيات الكبيرة) التي تبيع سجائر بالجملة الى اصحاب الاسواق و(الجنابر) الصغيرة في الاحياء السكنية والمناطق التجارية ، بعض انواع السجائر تباع الدزينة او ( التكة) كما يصطلح عليها باللهجة العراقية والتي تحوي 10 علب سجائر بسعر 2500 دينار فقط اي ان سعر علبة السجائر الواحدة تباع بسعر 250 دينار واخرى بسعر 500 دينار وصولا الى الاغلى سعرا وهو 1000 دينار ، في حين تباع انواع معروفة اخرى بسعر 4000 -6000 الاف دينار للعلبة الواحدة ، يقول محمد حسن المياحي (58) سنة، صاحب مكتب جملة لبيع السجائر في بورصة الكفاح : اعمل في السوق منذ تسعينيات القرن الماضي وشهدت السوق دخول مئات انواع السجائر التي تلاشت واختفت وحلت محلها انواع اخرى جديدة ، لكن انواع السجائر وتبوغ الناركيلة الموجودة في الاسواق حاليا تختلف حسب الجودة ومطابقتها لشروط السلامة الصناعية والصحية ، فالرخيصة منها وهي الاكثر تداولا بين التجار هي في الحقيقة انواع رديئة ولاتخضع الى اي رقابة ، ولاندخنها نحن العاملون هنا في السوق لاننا نعرف انها لاتحوي على تبغ خالص 100 % ، وهذا الامر لايقع على عاتق الباعة هنا في السوق ، بل هو من مسؤولية الدوائر الرقابية للكمارك والصحة والسيطرة النوعية التي تتواجد في المنافذ الحدودية .
ارقام منظمة الصحة العالمية حسب احصائية في العام 2015 تشير الى ان نسبة المدخنين في العراق وصلت الى 40 بالمئة. وتم الكشف عن الارقام والمقترحات خلال الورشة الوطنية لمكافحة التدخين في العراق والتي عقدتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية في مدينة اسطنبول خلال تلك الفترة ، وبين المؤتمر في حينها ان التدخين أصبح مشكلة عامة ذات أبعاد صحية واجتماعية واقتصادية، وأن الشرق الأوسط يتميز بأنه يحتل المرتبة الثانية عالميا في أكثر المناطق التي ينتشر فيها التدخين، وان نسبة المدخنين من فئة المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13-15 نسبة تصل الى 11 بالمئة.
إجراءات
وزارة الصحة والبيئة نسقت مع الجهات ذات العلاقة من اجل مراجعة وتقييم نظام الضرائب على منتجات التبغ وفرض مبالغ عالية عليه ضمن اجراءات مكافحة التدخين.
محمد غافل مسؤول في قسم الاعلام والتوعية بوزارة الصحة والبيئة قال : ان اجتماعا موسعا عقدته وزارة التخطيط مع المسؤولين في وزارات المالية والصحة بحضور فريق خبراء منظمة الصحة العالمية للتباحث فيما يخص اجراءات مكافحة التدخين، مبينا ان الاجتماع قرر مراجعة وتقييم نظام الضرائب على منتجات التبغ المعمول به حالياً والتحديات التي تواجه التنفيذ الفعال والمؤثر له، الى جانب تشخيص نقاط القوة والضعف والفرص المتاحة امام اتخاذ اي قرار يحد من استخدام
المخدرات.
واوضح بانه ستتم دراسة الآليات والسبل والخطط المستقبلية لتطوير النظام الضريبي على منتجات التبغ بما يحقق مردودا ماليا كبيرا وتمويلا اضافيا للخدمات الصحية في البلاد وتخفيف العبء عن المصابين بالأمراض غير الانتقالية، فضلا عن ضمان ايفاء البلاد بالتزاماتها الدولية في تنفيذ اتفاقية منظمة الصحة العالمية الاطارية بشأن مكافحة التدخين.
واشار الى ان فريق خبراء منظمة الصحة العالمية قدم مقترحات وتوصيات حول التدخين اكد من خلالها ضرورة اعتماد البراهين بالمضي قدما في خطوات مكافحة التبغ واقرار القانون الذي يضمن تقليل وبائية استخدام التبغ وتقليل عوامل الخطورة المسببة للامراض المزمنة، اضافة الى تعزيز برامج الصحة من خلال الاستثمار الأمثل للأموال، وكذلك اعتماد ستراتيجية فعالة في التوعية بالمخاطر الناتجة عن استخدام التبغ واهمية انجاز المسوحات الوطنية المتعلقة بوبائية استخدام التبغ عند المراهقين والبالغين.
ونبه غافل الى ان احصاءات وزارة الصحة تشير الى وجود الكثير من الشباب من اعمار تتراوح بين (18 الى 25) سنة مهددين بأمراض مؤدية الى السرطان وبالتالي فان البلد مقبل على جيل مسرطن لاسيما سرطانات الرئة مع بدء العد التنازلي لعدد المصابين الى الاربعينيات والثلاثينيات من العمر بسبب التدخين وظاهرة التلوث البيئي من مصانع او مخلفات انهر ومعامل وهي كلها مسببات رئيسة للسرطان، فضلا عن ان اسعار السجائر رخيصة جدا الامر الذي يؤدي الى كثرة تداولها من مختلف الشرائح، مع وجود عامل اخر هو الاعتماد بالطعام على المعلبات بسبب انتشارها باسعار رخيصة في الاسواق الامر الذي يجب ان تأخذه الدولة بعين الاعتبار من خلال فرض ضرائب عالية على التدخين وتوجيهها لعلاج الامراض السرطانية في المستشفيات والمراكز
المختصة.
قانون
الباحث القانوني رائد عبد الواحد المختص في قانون الشركات التجارية قال : البرلمان العراقي شرع القانون (19) للعام 2012 الخاص بمكافحة التدخين والذي تضمن عقوبات رادعة للمهربين والمتاجرين خلافا لشروط ومواصفات التقييس والسيطرة النوعية بالاضافة الى فقرات اقامة البرامج التثقيفية و تنظيم برامج توعية للمزارعين لزراعة محاصيل مفيدة للمجتمع بدلا من زراعة التبغ كما تضمن القانون في فقرات اخرى حظر التدخين في الأماكن العامة وداخل مباني الهيئات الرئاسية والوزارات والدوائر والمؤسسات التعليمية والتربوية والصحية والمطارات والشركات والمصانع في المحافظات كافة و المسارح ودور العرض والفنادق والنوادي والمطاعم وقاعات الاجتماعات والمناسبات ومكاتب العمل والأسواق التجارية وايضا في وسائط النقل العام والخاص الجماعية البرية والبحرية والجوية في الرحلات الداخلية والخارجية ، واضاف عبد الواحد المسألة المهمة هي في فقرة حظر استيراد وتصنيع وبيع التبوغ الرديئة والخارجة عن المواصفات الصحية ، فالمادة 9 من القانون نصت على حظر استيراد او بيع او تصنيع أي نوع من أنواع التبغ او منتجاته تزيد نسبة النيكوتين فيه عن (0.8) ملغم والقطران عن (12) ملغم بناء على تقرير صادر عن جهاز التقييس والسيطرة النوعية ، وان تتولى وزارة الصحة وضع مواصفات دقيقة للتصنيع والاستيراد بتعليمات تصدرها لهذا الغرض تضمن تخفيض اضرار التدخين وتتولى بالتنسيق مع الجهات المعنية الرقابة على تنفيذها ، وان تقوم وزارة التجارة اصدار اجازات استيراد التبغ ومنتجاته للحد من الاستيراد المخالف للحد الادنى من الشروط المحددة لمواصفات استيراد هذه المادة ، لكن السؤال المهم هل تنفذ تلك المؤسسات والوزارات اجراءاتها حسب القانون الذي تم تشريعه ام انه مازال قانونا معطلا يسهل مهمة جشع التجار الذي لاينتهي .
تفعيل
مختص في مجال الفحص النوعي والمختبري للمواد الغذائية في احد المنافذ الحدودية ( رفض ذكر اسمه) بين :
ان موضوع استيراد السجائر والتبوغ بحاجة الى تفعيل القانون الخاص بمكافحة التدخين الذي اقره مجلس النواب العراقي ، لان سمية بعض التبوغ والسجائر المستوردة غير مطابقة لادنى الشروط والمواصفات التي نص عليها القانون ، ففي الوقت الذي ألزمت الشركات المصنعة والمستوردة ترتيب اوضاعها ومنتجاتها وفق المواصفات المنصوص عليها في البند الثاني من المادة الرابعة في القانون ومنع في المادة العاشرة من استيراد أي نوع من انواع منتجات التبغ التي لا تحمل تحذيرات صحية او نسب النيكوتين والقطران المنصوص عليها في البند (اولا) من المادة (9) من هذا القانون ، مازالت تدخل البلاد أردأ الانواع من تبوغ وسجائر رخيصة لايتعدى سعرها اقل من ربع دولار في منافذ البيع ، اي انها تباع من المصنعين الى التجار ربما بنصف ربع الدولار ، ولنا ان نتصور من اي مواد تصنع هذه السجائر ؟! ، ولذلك لابد من تفعيل بنود قانون مكافحة التدخين بصرامة لتقليل الاصابات الخطيرة التي يتعرض لها المستهلك العراقي من دون ادنى
حماية.