عالية طالب
الواقع الادبي العراقي اليوم قادني للعودة الى الماضي فخرجت العقول الثورية المنتقدة لدوغمائيات العقول المتحجرة من مكتبتي وسخرت من واقعنا وسألتني كيف يصمت مثقفكم عما يجري لمجتمعه ؟ وكيف يحث بعض مثقفيكم على تصفية المختلف عنه ؟ واين قراءاتهم لكتبنا وما الذي فعلوه لتنمية عقولهم اذن؟ استمعت الى فولتير و مونتسكيو وجون لوك وتوماس هوبز وجان جاك روسو.. ولم اعد ادري أين اضع مشهدنا ومثقفينا ازاء ما فعلته هذه الاسماء لتغيير مجتمعاتها الى الافضل دائما ، وحضر عبد الرحمن الكواكبي الذي واجه العثمانيين بصلابة وضجت جملته في رأسي : أن العامل الأهم في الوقوف ضد الاستبداد يتمثل في نشر الوعي القائم على حرية الكلمة وحرية البحث.. فيما انفعل جبران خليل جبران وانا اقرأ له : “ لــم أدر ما يحسبه الناس مجدا – واحرّ قلباه – جحيما.. من يبيعني فكرا جميلا بقنطار من الذهب ؟ من يأخذ قبضة من جواهرَ لبرهة من حبّ ؟ من يعطيني عينا ترى الجمال ويأخذ خزانتي ؟ “
الفكر الجميل المعطاء هو الوحيد القادر على احداث خلخلة انظمة مهترئة لا تعرف غير تصدير خطابات جاهزة وادارة عملية فاشلة تكتفي بالتزويق الخارجي دون ان تفعل فعلها في بناء العقل ومنظومته الفكرية القادرة على التغلغل في كل التفاصيل وايجاد حلول بعيدا عن الوحل المكبل لخطوة مرتقبة.
ولم يشهد التأريخ الادبي والثقافي دعوات تهدف الى التخلص من وجود المثقف في الحياة العامة الا حين يكون منطلقها مستندا على الخشية من وجودهم الذي يعمل دائما في النور ولا يعرف التدليس والخوف من الاخر ما دام راسخا بقضية انسانية تتعلق بالفكر ومقوماته ، مسيرة المثقف لا تؤمن بالتحريض على المختلف لان من يفعلها سيكون مسؤولا عن اشاعة فساد العقل الذي يبحث عن التبرير لتسويق شعارات زائفة يؤدلجها لينفذ منها عجزه عن احداث التغيير الايجابي الذي ينتظره المجتمع منه.
وان قلنا أن التاريخ لا يرحم احدا مهما حاول من جهد لتصدير ثقافة الاقصاء والتخوين ، فأن ذات التأريخ يعرف جيدا ما يؤرشف للأجيال القادمة من مواقف وشخصيات واسماء ستبقى دائما قادرة على استمرار وجودها مهما تباعد زمن رحيلها والا لما عاد لي مونتسيكو وفولتير وروسو حينما شعرت بحاجتي لتصفح عقولهم مجددا، ولما أرهقت عقلي بالبحث عن حوادث تأريخ ثقافي وفكري وأدبي لأسماء تركت سجلا حافلا بالتمجيد والهتاف لمنجزها الذي فعل فعله في تغيير المجتمعات والاخذ بيد مواطنيها للتمسك برفض الاستبداد والتسلط وخلط الاوراق والالوان لتكون ثغرة تتسع لوجوده لكنه لا يعرف ان الثغرات سرعان ما تنغلق بمجرد تحرك المتغير والمتجدد فتتلاشى البؤر المظلمة ازاء الحقائق الثابتة.
من يؤمن بالانسان والعقل الحر ، لا يجيد شطب الحياة منه ، ومن يؤمن بقوة حجته لا يحتاج شطب المختلف لان القوة في الحقيقة والانتهاء دائما نصيب من يشوه وجهها حيث وجد.