فرضية الحرب وحقائق السلام

آراء 2019/05/14
...

علي حسن الفواز
 
تواتر الصراع الايراني الامريكي في منطقة الخليج يكشف عن الطبيعة المعقدة لما يجري من احداث سياسية ولتصريحات تنذر بالحرب
، مثلما يكشف عن علاقة هذه الاحداث بواقعية الأمن القومي لدول المنطقة، وبمصالح الدول الكبرى
، وبما يمكن أن تتمثله من صراعات أكثر تعقيدا على المستوى الجيوسياسي، أو على مستوى استقلال تلك الدول سياديا 
واقتصاديا..
ماجرى قبل ايام في ميناء الفجيرة الاماراتية يضعنا أزاء واقع ملتبس لتلك الاحداث، ولطبيعة الوضع الأمني في المنطقة
، ولضعف القدرات الحمائية وهشاشة كفايتها في تأمين واقع مسيطر عليه لقواعد الاشتباك، ولتأمين مراقبة كاملة وآمنة للمصالح
، فطبيعة هذه التفجيرات الغامضة تؤشر مدى الحاجة الواقعية للتفاهم السياسي والأمني
، وليس لاشعال فتائل صراعات وحروب من الصعب السيطرة على تداعياتها، مثلما ترسم أفقا سياسيا قد يضع دول المنطقة أمام تعقيدات لايمكن التعاطي معها بمنطق القوة
، ولا بفرضية صناعة العدو، أو حتى بإتجاه تحويل المنطقة الى حقل واسع ودائم 
للالغام..
غياب الفاعل الواقعي المسؤول عن التفجيرات، أو حتى الحرص على تغييبه، أو التعتيم عليه هو ما يدعو الى التساؤل
، عن مدى قدرة الولايات المتحدة في السيطرة على أمن المنطقة، وعلى حماية مصالحها الكبرى فيها، وهل ثمة عدو خفي له القدرة على اختيار وقت الحرب أو التلويح 
بها ؟
 
اسئلة الحرب والسلام
هذه الاسئلة ليست غامضة بالكامل، فالولايات المتحدة وايران، وحتى السعودية قد تعرف اسرارها، وتدرك أن صناعة الحروب يمكن ان تشبه صناعة الشكولاتا، لكنها ستكون الشكولاتا السامة
، والتي لايغامر احد بصناعتها، والعمل على تسويقها في منطقة غامرة بثلث استثمارات العالم، وهو مايعني الخوف على رأس المال، وعلى المصالح
، وعلى فرضية المنتصر الغامض
، والذي تخشاه الولايات المتحدة ذاتها، أيّ الدبّ الروسي
، والذي سيجعل من اسعار النفط والغاز حكرا له، وعبر ممرات أكثر أمنا من ممرات الحرب في منطقة 
الخليج..
الخوف من الحرب ليس الخوف من فكرة الهزيمة، بل من تداعياتها، ومن سمومها الطائفية والدينية، والتي ستوفّر بيئة أكثر حماسا وعنفا لتغوّل الجماعات الارهابية في العراق وسوريا وفي باكستان وافغانستان، وفي الهند، لاسيما بعد اعلان داعش عن تشكيل ولاية لها في منطقة 
كشمير..هذه التداعيات هي الخطر الأكبر الذي تعرف الجهات المخابراتية الامريكية طبيعته، وطبيعة أثره المرعب على المنطقة، والذي يعني من جهة اخرى ادخال الولايات المتحدة وحلفائها في حرب استنزاف مهلكة كالتي دخلها(الاتحاد السوفييتي) السابق في افغانستان، لذا يمكن قراءة احداث الفجيرة من زاوية أخرى، وهو الحاجة الى السلام
، والى ايجاد تفاهمات سياسية وامنية بين دول المنطقة
، تُجنّب الجميع الحرب وتداعياتها
، وتضمن مصالح الجميع
، فضلا عن فتح حوار واقعي وعقلاني بين الولايات المتحدة وايران
، وبما يضمن المصالح الجامعة من جهة
، أو بما يعزز مسار الملفات الامنية والسياسية، ومنها الملف النووي الايراني من جهة 
اخرى.
 
الحرب لا وقت لها..
إذ كان الطرف الثالث المسؤول عن التفجيرات هو الأكثر حيازة على وقت الحرب
، فإن الطرف الامريكي أو الطرف الايراني يجدان في هذا الوقت (اللوجستي) فرصة لصياغة وقت آخر للحوار، وليس الحرب، فالحرب الحقيقة لا وقت لها، وان قابلية اشعالها لا تحتاج الّا الى عود كبريت
، أو الى حماقة سياسية، لكن المنطق وحساب المصالح، وغموض الطرف الثالث سيجعل الجميع أمام عقلانية البحث عن وقتٍ آخر، وقت للمراجعة
، ولحسابات الربح والخسارة، ولحيازة الاطمئنان بعيدا عن تلك الصناعات الواهمة والاحلام التي ستجرّ الجميع الى محارق كبرى
، وستطال المصالح والعلاقات والتجارة وممرات النفط والحرير وغيرها
، ومنها ما يتعلق بـ(الامن الاسرائيلي) فاسرائيل لا تملك قوة حقيقة خارج ارادة الولايات المتحدة
، وخارج قوتها الاقتصادية
، وأن أي خلل في تلك الارادة والقوة سيدفع اسرائيل نحو أفق غائم من الصعب جدا الحفاظ فيه على توازنها الامني والسياسي وحتى
 الاقتصادي.