د. طه جزاع
في الرابع والعشرين من آب العام الماضي رحل الصحفي والسياسي المخضرم ابن سوق الشيوخ والعراق معاذ عبد الرحيم عن عمرٍ ناهز التسعين عاماً، وقبل رحيله بستة أعوام كان قد أصدر كتابه "أوراق من ذكرياتي.. ثورة 14 تموز وخلاف عبد السلام عارف مع عبد الكريم قاسم" الذي سجل فيه انطباعاته الشخصيَّة المبنيَّة على وقائع ومشاهدات عاشها مطلع الستينيات مع الرجلين، ودوافع وأسباب الخلاف الذي اندلع بينهما بعد مرور شهرين فقط على بداية حكمهما.
هذه الذكريات التي كان قد أعدها عبد الرحيم منذ أواسط التسعينيات ولم يتهيأ له نشرها في وقتها، ليست مذكرات سياسيَّة ولا سيرة شخصيَّة، إنَّما معايشات يتطرق من خلالها إلى أهم العوامل التي "أدت إلى انهيار ثورة 14 تموز 1958 الجبارة" وفق تعبيره، وقد مهَّدَ لها بداية من أواخر العهد الملكي وبالذات من الخطاب الشهير لنوري السعيد عبر الإذاعة العراقيَّة أوائل العام 1958 مروراً بجبهة الاتحاد الوطني، ووصولاً الى الأحداث الكبرى في تلك
السنوات.
ومما جاء في ذكرياته تلك الفرصة الضائعة للقائه مع جمال عبد الناصر أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربيَّة في القاهرة عام 1964، وكان حينها ممثلاً لجريدة الجمهوريَّة البغداديَّة لتغطية وقائع المؤتمر، وقد نجح في تحديد موعدٍ مع عبد الناصر بعد اتصاله بمدير مكتبه عبد المجيد فريد، لكنَّه فوجئ وشعر بالصدمة بأنَّ عبد السلام عارف لم يسمح بإجراء هذه المقابلة حين أعلمه بها مرافقه الرائد عبد الله مجيد والذي اتصل بدوره بمعاذ عبد الرحيم قائلاً بحزم: "لقد أخبرتُ الرئيس فانفعل وهو لا يسمح لك بالمقابلة، ويأمرك بحزم حقائبك والالتحاق بالوفد في فندق الهلتون فوراً"، مما سبب له حرجاً شديداً وورطه في مأزقٍ كبيرٍ وصفه بأنه: "من أصعب المواقف التي مررت بها في حياتي".
أما عن دخوله الكويت بلا جواز سفر هروباً عبر
شط العرب والحدود البحريَّة الإيرانيَّة بهدف
وصوله الى القاهرة، وعمله قبل ذلك باسمٍ مستعارٍ في جريدة الحرية قبل أنْ ينكشف أمره، ومطاردته ليلة 14 تموز وهروبه الى فؤاد الركابي الذي استمع الى حديثه وهو يقول له: "نلتقي غداً فمع الصباح رباح"، فتلك صفحات من ذكريات مثيرة لصحفي عاش حقباً سياسيَّة مهمَّة من تاريخ العراق المعاصر، منذ دخوله معسكر الشعيبة معتقلاً، وهو في الثانية والعشرين من عمره.