اليمين المتطرف يجد أرضاً خصبة لأفكاره

بانوراما 2019/05/14
...

سام جونز
ترجمة: خالد قاسم
 
أصوات كثيرة نالها حزب “فوكس vox” اليميني المتطرف خلال الانتخابات العامة الاسبانية جاءت من مناطق مهملة مثل بلدة بارلا قرب مدريد. 
فخط الترام الذي يتسلل عبر بارلا يمر بمتجر لبيع المنتجات الغذائية، وهناك لوحة اعلانات لشركة عقارات تخدم الجالية الصينية، ومحل بقالة يقدم اللحم الحلال.
يجد الزائر على جانبي المسارات المتعرجة وواجهات المحال والوجوه والملابس ومن النقاشات المسموعة عبر شوارع المدينة قصة الجاليات الكثيرة والمتنوعة التي حفزت نمو بلدة بارلا طيلة السنوات الخمسين الماضية، وحولت تلك البلدة الصغيرة التي تبعد نصف ساعة عن مدريد الى منطقة واسعة يسكنها 128 ألف شخص. ورغم قرب البلدة من العاصمة، لكن كثيرين من سكانها يشعرون بأن الحكومات المركزية والمناطقية والمحلية المتعاقبة قد نستهم وأهملتهم.
أدى الازدهار الاقتصادي الى تضخم عدد سكان بارلا خلال السنوات السمان التي سبقت أزمة 2008 المالية وتجذر ذلك الانتعاش أكثر من التخطيط، ولذلك نشهد اليوم معاناة البلدة من معدل بطالة يبلغ 14 بالمئة وقلة المدارس والمراكز الطبية والمنشآت الخدمية.
انتبه حزب فوكس حديث العهد الى تلك النواقص. ويشكل أشخاص من 115 دولة مختلفة 22 بالمئة من سكان بارلا، وهي حقيقة لم تغب عن مؤيدي الحزب هناك. يقول توماس راموس وهو أحد سكان البلدة: “يتعلق الأمر بالأزمة الاقتصادية والهجرة والتعليم والرعاية الصحية، وأعتقد أن أطفال المهاجرين عليهم دخول نظام التعليم، لكن توجد 16 مدرسة هنا وسوف يغيرون نسبة المعلمين 
والطلبة. 
ومن ثم هناك مسألة الثقافة واللغة، فوجود 13 لغة مختلفة داخل الصف سيغير الأمور أكثر من وجود لغتين أو ثلاث.”
لكن راموس يقول ان التصويت لصالح فوكس يرجع لأسباب أكثر مما ذكر: “يتعلق الأمر بالتجديد وتغيير الأشياء لأبناء بلدتنا ممن سمعوا سياسيين آخرين يقدمون الوعود ولكنهم لم يفوا بها بعد انتخابهم.”
ثقة مفقودة
لا يثق الاسبان عموما وسكان بارلا خصوصا بالسياسيين، ومحاولة فوكس لجذب الناخبين المحافظين من مناطقهم التقليدية التابعة لحزب الشعب يبدو أنها تؤتي أكلها. ويبقى بعض الناخبين التقليديين لحزب الشعب غاضبين بسبب فضائح الفساد التي أسقطت حكومة ماريانو راخوي العام الماضي، بينما يشعر آخرون أن الحزب أضاع فرصة لأنه لم يتخذ موقفا صارما من أزمة استقلال كاتالونيا.
يعد مجلس بارلا المحلي معقلا لحزب العمال الاشتراكي لكنه صار بأيدي حزب الشعب منذ انتخابات 2015 البلدية. واستقال العمدة الاشتراكي قبل سبعة أشهر من ذلك التصويت بعد اعتقاله لصلته بفضيحة فساد كبيرة. لكن الأمور معقدة لحزب الشعب المحلي أيضا، اذ انشق الأمين العام السابق للحزب في بارلا مؤخرا وتحول الى فوكس مما يسلط الضوء على التصدعات داخل اليمين الاسباني محليا ووطنيا. 
تحدث فرانسيسكو سانشيز، موظف أمني سابق عاطل عن العمل، بصراحة أكبر عن الوضع الحالي وقال أنه يرى فوكس بديلا عن حزب الشعب والحزب الاشتراكي اللذين حكما البلاد لأربعين سنة، “فوكس لديه سياسات ثابتة عن الوحدة الوطنية، وتتضمن ايقاف حكم كاتالونيا الذاتي الى أن يهزم مخططو الانقلاب، وحظر الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الداعية لتدمير سيادة ووحدة أراضي البلاد.”
 
عامل الهجرة
الهجرة مصدر قلق آخر لفرانسيسكو، “يمنحون المهاجرين أموالا كثيرة ويضر ذلك بنظام التقاعد. وهؤلاء أشخاص لا يعملون ويكتفون بطلب النقود.” ورفض أي تلميح الى عنصرية حزب فوكس، “هذه رواية المعارضة، كل الأحزاب المتفقة مع بعضها البعض، أي شخص فخور بهويته الاسبانية يوصف بالفاشي. لكن الفاشيين يفرضون ارادتهم على الآخرين، وفوكس لا يفرض ارادته على الآخرين وليس عنفيا.” من جهته حذر رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز الناخبين ضد الشعور بالرضا بوجه فوكس، وظهرت توقعات قبل التصويت بعجز حزبه عن كسب الأغلبية، وتحالف فوكس مع قوى تضم حزب الشعب وحزب المواطنين من يمين الوسط لتشكيل تحالف اذا كسب أصواتا كافية. وأنهى اتفاق مشابه عشرات السنين من حكم الحزب الاشتراكي لاقليم الأندلس نهاية العام الماضي بعد انتخابات اقليمية شهدت تقدم فوكس وحصده أول 12 مقعد له.
يقول عمدة بارلا لويس مارتينيز أن معدل الولادات المنخفض في اسبانيا يعني حاجتها للمهاجرين، ولديه رسالة بسيطة لأي شخص يحاول اثارة المخاوف وإشعال التوترات: “بارلا ليست مكانا لك.”