ترامب يحاول دفع إيران الى نقطة اللاعودة
بانوراما
2019/05/14
+A
-A
إيشان ثرور
ترجمة: انيس الصفار
يبدو أن إيران دون سائر بلاد الأرض هي التي اختارها الرئيس ترامب لتكون موضع ضغطه الأساس .. وبطريقة سيئة. فقبل أسابيع قليلة أكدت ادارته أنها سوف تنهي العمل بالاستثناءات المؤقتة التي كانت هذه الادارة قد منحتها لقلة من الدول لتمكينها من الاستمرار في استيراد النفط الإيراني من دون التعرض للعقوبات التي فرضها البيت الابيض على صناعة النفط الإيرانية. هذا القرار جاء مباغتاً لأسواق الطاقة ولعدد من شركاء أميركا المهمين الذين كان كثير منهم يتوقعون الحصول على تمديدات اضافية لتلك الاستثناءات. ولهذا السبب قفزت اسعار النفط الى اعلى سعر لها منذ ستة اشهر فور اعلان الخبر.
فمن خلال مؤتمر صحفي راح وزير الخارجية الاميركي “مايك بومبيو” يبرر الاجراء بأنه محاولة للتضييق أكثر على قدرة الجمهورية الاسلامية ومنعها من التأثير في المسرح الدولي. قال بومبيو: “هدفنا يبقى بسيطاً، وهو تجريد هذا النظام الخارج على القانون من الاموال التي تعينه على زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط.” ثم اضاف أن الولايات المتحدة تسعى لإيصال صادرات النفط الايراني الى “نقطة الصفر”، ومعنى هذا القول هو تصعيد الضغط الخانق لإجبار بعض اكبر مستوردي النفط الايراني، ومن بينهم الصين والهند، على إغلاق الصنبور بالمرة.
بالنسبة لإدارة ترامب لم تكن هذه سوى الحركة الأحدث خلال المجابهة مع إيران. فبعد انسحاب الولايات المتحدة الاحادي من الاتفاقية النووية قبل سنة تقريبا، والتي كان قد تم التفاوض بشأنها بين إيران والقوى الكبرى، عادت الولايات المتحدة لتفرض عقوبات شاملة على مسؤولين إيرانيين كبار وعلى عدد من قطاعات الاقتصاد الإيراني. ثم لم تلبث أن أقدمت مؤخراً على إدراج فيلق الحرس الثوري الإيراني الواسع النفوذ ضمن قائمة “المنظمات الارهابية الاجنبية” وهو اجراء قد يجعل اصلاح الحال مع الحكومة الإيرانية اصعب على أية إدارة أميركية لاحقة.
انسياب النفط
بعد ذلك، ها هي الادارة الآن تعود لترفع مستوى التهديد مجدداً بالنسبة للقوى الكبرى. قال بومبيو محذراً: “أي دولة أو كيان تتعامل مع إيران عليها الانتباه الى ما تفعله وتراعي جانب الحذر، لأن الفوائد التي ستجنيها لن تعادل المجازفة.” أما العجز في انسياب النفط الى الاسواق فإن السعودية ودول اخرى داخل الأوبك ستكون كفيلة بتعويضه وأكثر تحت ظل نظام العقوبات الأميركي التي أمست كاملة الآن على النفط الإيراني.
ليس من الواضح تماماً إن كانت ادارة ترامب نفسها منتبهة الى ما تفعله. ربما كانت الولايات المتحدة مطمئنة الى قدرة السعودية وباقي المنتجين الكبار على تغطية العجز الناجم عن غياب النفط الايراني عن الاسواق، بيد أن خبراء الطاقة يحذرون من أن المغامرة قد تنطوي على منزلقات غير محسوبة، لأن الأمر شبه المؤكد هو أن يسفر الأمر عن قفزة لأسعار البنزين بالنسبة للمواطن الاميركي العادي.
تقول “سارا فاكشوري” الخبيرة بشؤون النفط الإيراني، متحدثة مع مجلة “فورن بولسي”: “باستطاعة السعوديين وأوبك وروسيا سد الفراغ الذي سيخلفه النفط الايراني، ولكن السوق سيشهد ضائقة حقيقية وترتفع الاسعار ارتفاعاً مشهوداً، إذ لن تتبقى هناك قدرات احتياطية لمواجهة أي تعثر اضافي آخر في التجهيز.”
كذلك قد تجابه تكتيكات البيت الابيض للضغط على إيران بالرفض من قبل قوى اقليمية. فطهران تصدر نحو مليون برميل من النفط يومياً يذهب نصفها الى الصين، اما الدول الاخرى التي تسعى للحصول على استثناءات فهي الهند وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان، وهؤلاء كلهم شركاء كبار للولايات المتحدة، وهم مستاؤون من تكتيكات واشنطن القسرية.
المواقف الرافضة
يقول “جيرالد فايرشتاين” نائب رئيس معهد الشرق الاوسط: “استجابة هذه الدول لمطالبة البيت الابيض إياها خلال اللحظات الاخيرة، بوقف صفقات شراء النفط الايراني على الفور أو مواجهة العقوبات المالية الاميركية، ستكون أمراً صعباً إن لم نقل مستحيل التحقيق.”
كتب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على موقعه قائلاً: “قرار الولايات المتحدة بإنهاء الاستثناء من العقوبات على واردات النفط لن يصب لصالح امن المنطقة واستقرارها، ولكنه سيضر بالشعب الايراني. تركيا تعارض فرض العقوبات من جانب واحد كما ترفض ان يملى عليها كيف تدير علاقاتها مع جيرانها.”
المسؤولون الصينيون والاتراك ايضاً اصدروا معاً بياناً قوي اللهجة شجبوا فيه العقوبات الاميركية الاحادية واشاروا الى رغبة البلدين في مواصلة علاقات العمل مع الايرانيين.
أما الهند فيعتقد المحللون انها ربما تستمر في شراء كميات اقل من النفط وتدفع بالروبية. يشير “تانفي مادان” وهو خبير في شؤون جنوب اسيا من معهد بروكنغز الى الضرر الذي يمكن ان يلحق بالعلاقات بين اكبر الانظمة الديمقراطية في العالم فيقول: “هذه التطورات سوف تعزز لدى الهند توجهاً لا يستطيبه صناع السياسة الاميركيين، وهو السعي الى استقلال ستراتيجي يقوم في جزء غير يسير منه على الاحساس بأن الولايات المتحدة ليست شريكاً معتمداً وانها لن تعبأ بالمصالح الهندية.”
أما عداء ترامب لإيران فقد أخذ يستعدي، منذ الآن، الحلفاء الأوروبيين، الذين لا يزالون يحاولون اقناع طهران بعدم الخروج من الصفقة النووية. فقالت “ماريا بيلوفاس”، المتحدثة باسم وفد الاتحاد الاوروبي في الولايات المتحدة: “يؤسفنا للغاية إعلان الولايات المتحدة بأنها لن تجدد الاستثناءات من العقوبات النفطية.” ثم أضافت ان هذا القرار يصعد خطر انهيار اتفاقية منع الانتشار التي تعتبر حاسمة لأمن المنطقة والعالم، على حد تعبيرها. تنبه بيلوفاس الى ان الوكالة الدولية للطاقة النووية قد أكدت 14 مرة التزام إيران بالقيود المفروضة على نشاطاتها النووية.
فشل أميركي
بيد أن الخطوات التي اتخذها البيت الابيض مؤخراً تجعل المهمة أصعب مما سبق. فقد حذر السفير البريطاني السابق لدى الامم المتحدة “بيتر ويستماكوت” عبر تغريدة له من أن يؤدي إلغاء الاستثناء من العقوبات الى تأجيج “زعزعة استقرار المنطقة” واثارة غضب شركاء الولايات المتحدة والاضرار بالاقتصادين التركي والايراني معاً، بالاضافة الى تقوية ذراع المتشددين داخل ايران الذين لا يتوقون الى شيء قدر توقهم لأن تتبنى دولتهم موقفاً أكثر تصلبا تجاه الضغط الاميركي، وهذا قد يتضمن اعادة العمل بتخصيب اليورانيوم وغير ذلك من النشاطات المحظورة وفق بنود الصفقة النووية.
ولكن طهران قد تنتهج مساراً اكثر حذراً. فقد قالت “إيلي جيرانمايا”، من المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية لدى حديثها مع صحيفة الاندبندنت: “لن يتسرع الإيرانيون بإبداء ردة فعل قوية، وهم قد صرحوا بأنهم سيتشاورون مع شركائهم، وسيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تتضح كمية النفط التي تستطيع إيران بيعها من خلال شبكات غير رسمية، أو عبر آليات خاصة.”
بيد أن منتقدي إدارة ترامب يحتجون منذ الان بأن الادارة تحاول استفزاز إيران وجرها الى معركة. فقد عبر كل من “هارون ديفد ميلر” و”ريتشارد سوكولسكي”، المسؤولان السابقان ضمن وزارة الخارجية، عن شدة حزنهما لما يريانه من نمط الادارة الحالية المعتمد على تكتيكات الاجبار والوعيد، بدلاً من الدبلوماسية، التي يتبعها بومبيو ومستشار البيت الابيض للامن القومي المتشدد “جون بولتون.”
فقد كتب ميلر وسوكولسكي يقولان: “هذه النتائج كلها مقصودة من دون شك من جانب
بومبيو وبولتون، وتتعمل بتكامل مع الحرب الاقتصادية التي تشنها الادارة ضد إيران بهدف إثارة تمرد داخل البلد يسفر في نهاية المطاف عن الاطاحة بنظام الحكم الديني. ولكن فرض العقوبات الكاملة على صادرات النفط الايراني سيلحق مزيداً من الشقاء الاقتصادي بالشعب الايراني، وسيعزز المفهوم بأن الحكومة الاميركية عدو ليس للنظام فقط بل للشعب الايراني ايضاً، ما سيجعل محاولات خفض روح العداء لأميركا أكثر صعوبة
مستقبلاً.”