حروب

آراء 2019/05/16
...

د. كريم شغيدل
 


الحرب وما أدراك ما الحرب!! قد نكون نحن العراقيين أكثر شعوب المعمورة التي ذاقت ويلات الحروب في التاريخ المعاصر بعد الحربين العالميتين، فمن حرب الوطن بين الجيش الرسمي والأخوة الكورد، إلى الحرب مع الجارة إيران ثم غزو الكويت وتحريرها ثم الغزو الأميركي إلى حروب الإرهاب والطائفية التي انتهت ولم تختتم آخر صفحاتها مع عصابات داعش، حرب في فلسطين وأخرى في سورية وثالثة في اليمن ورابعة في ليبيا، وصراعات طائفية هنا وهناك تنشب حرائقها بين الحين والآخر، ولقد تكشفت على ما يبدو جميع الأوراق، فما هي إلا فتن مخطط لها، وأجندات مبرمجة على وفق بوصلة المستفيدين من هذه الحروب وتلك النزاعات.
طبول الحرب تقرع في المنطقة منذ مطلع ثمانينيات القرن المنصرم حتى يومنا هذا، تندلع حروب وتنطفئ نيرانها لتنشب أخرى، ولكل حرب مخططها ونتائجها في حسابات النفوذ والتمدد والمصالح السياسية والاقتصادية، وتوقع الاتفاقيات ويعاد ترسيم الحدود، وتدفع التعويضات، ويخرج القادة المتحاربون كأبطال قوميين، كل يحاول إقناع شعبه بأنه على حق، وأنه المنتصر، وأن العناية الإلهية هي التي اختارته لهذا الدور التاريخي، وخلال الحرب طبعاً تعمل الآلة الإعلامية عملها السحري بتأجيج المشاعر وتجميل الموت والتغني بالقائد التاريخي، وتدبج الدراسات والأبحاث والتنظيرات لبحث الأبعاد والضرورات والنتائج، لكن الواقع هو ليس ما يبثه الإعلام، وليس ما تخرج به الدراسات الاستراتيجية، الواقع هو الحياة أو الموت.
الحرب خيار وحشي خارج المنظومة الأخلاقية للبشر الأسوياء، والقوى الدولية التي تحرك خيوط اللعب وتوجد المبررات لتخوض حروباً خارج حدودها، لا تفكر بالأخلاق ولا بالبشر، بل بمديات مصالحها، وتنقاد لمخططاتها قوى إقليمية ستدرك لاحقاً بأنها ستسقى من الكأس نفسه إذا اقتضت الضرورة، وما الحرب إلا مناسبة لا إنسانية للدمار والقتل وهدر الثروات والطاقات، ما من حرب إلا وخلفت وراءها الآلاف أو الملايين من الضحايا من القتلى والأرامل والأيتام، يتبع ذلك جملة انهيارات قيمية وأخلاقية ومجاعات وتبعات نفسية وصحية وبيئية، فلنتذكر نتائج الحروب على أوربا وعلى اليابان وعلى العراق، ألم تكن الشعوب هي الخاسر الوحيد في كل الحروب؟!
لا توجد حروب مقدسة أو ذات أهداف نبيلة كما قرأنا في التاريخ، ولا يوجد في الوقت الحالي فرسان وقادة شجعان، هنا توجد أسلحة دمار لا تطال أولئك القادة المتحصنين في ملاجئ محكمة، ويلوذون بحفر العار متى ما ضاقت بهم السبل، لكن الجندي المعبأ عقائدياً أو مهنياً أو أيديولوجياً هو الضحية، هو الهدف الوحيد، ووراء كل جندي أم وأب وزوجة ومجموعة أطفال وأخوة وأخوات وأصدقاء ومحبون، وبعض هذه الفئات ستشكل طبقات شبه معطلة إنسانياً، تعاني من صعوبات الاندماج في ديمومة الحياة بما ستدخره من أحزان وويلات وأسف على ما خلخل وجودها وبعثر كيانها، بينما يجلس مشعلو الحرب على موائد التفاوض والتنازلات والتسويات مخلفين وراءهم بلداناً مدمرة وشعوباً منكوبة.