تفاهمات ستراتيجية في قمة أنقرة بين عبد المهدي واردوغان

الثانية والثالثة 2019/05/16
...

اسطنبول / فراس سعدون  بغداد/ الصباح
 
تسارعت وتيرة التقارب العراقي – التركي منذ مطلع العام الحالي، إثر زيارة إلى أنقرة أجراها الرئيس برهم صالح، في كانون الثاني الماضي، وزيارة إلى بغداد، والبصرة، وأربيل ترأسها وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في نيسان الماضي، لتكلل الزيارتان بالزيارة الأولى لرئيس مجلس الوزراء، عادل عبد المهدي، إلى العاصمة التركية، أمس الأربعاء، التي اثمرت عن جملة تفاهمات مشتركة مع الرئيس التركي رجب طيب اردغان، في المجالات الامنية والاقتصادية والطاقة والنقل والاتصالات والاستثمارات.
وبينما اعرب عبد المهدي، خلال جلسة المباحثات المشتركة لكلا الوفدين، عن رغبة العراق في إقامة مشاريع استثمار مشتركة للبلدين تسهم في تعزيز الاقتصاد والاستثمارات في المجالات الزراعية والصناعية وبتوفير فرص العمل الواسعة والعمل على انشاء خط سكك حديد من البصرة الى تركيا، ابدى اردوغان ارتياحه لتطور العلاقات مع العراق وارتفاع حجم التبادل التجاري الى خمسة عشر مليار دولار، مؤكدا التطلع  الى بلوغه عشرين مليار دولار.
واجريت لرئيس الوزراء، مراسيم استقبال رسمية في القصر الرئاسي بحضور اردوغان، اطلق خلالها احدى وعشرين اطلاقة تحية لرئيس مجلس الوزراء الذي قام بتفتيش حرس الشرف.
وفي وقت سابق لجلسة المباحثات المشتركة عقد اعضاء الوفد العراقي من الوزراء ورؤساء واعضاء اللجان النيابية ورؤساء الهيئات ووكلاء الوزارات والمسؤولين الامنيين والعسكريين والمستشارين سلسلة لقاءات ثنائية مع نظرائهم في الجانب التركي تم خلالها بحث توسيع التعاون في المجالات الامنية والاقتصادية والطاقة والنقل والاتصالات والاستثمارات.
الى ذلك، حظيت زيارة رئيس الوزراء، باهتمام خبراء العلاقات الدولية والاقتصاد الأتراك، لما لها من أهمية وتأثير في الروابط بين البلدين خصوصا، وفي منطقة الشرق الأوسط عموما، في وقت يحتاج فيه البلدان والإقليم للتقارب والتفاهم والاتفاق أكثر من أي وقت آخر.
 
جلسة المباحثات المشتركة 
وذكر بيان لمكتب رئيس الوزراء، تلقته “الصباح” ان “عبد المهدي واردوغان ترأسا جلسة المباحثات المشتركة العراقية - التركية بحضور اعضاء الوفدين”.
وبارك عبد المهدي، وفقا للبيان، للشعب التركي والامة الاسلامية شهر رمضان، مؤكدا ان قوة ورفاه وتقدم تركيا هي قوة ورفاه وتقدم للعراق، مشيرا الى القول “نشكركم على الاستقبال الرفيع وسننتظر قدومكم الى العراق لنضع ما اتفقنا عليه في لقائنا الثنائي المثمر موضع التنفيذ، واننا نستطيع المضي أبعد مايمكن خلال انعقاد المجلس العراقي التركي المشترك في بغداد” .
واضاف رئيس الوزراء، “نستطيع بروح التعاون والرغبة المشتركة الوصول الى تفاهمات اكبر من اجل مصالحنا ومستقبلنا المشترك، ونطمح لإقامة مشاريع استثمار مشتركة للبلدين تسهم في تعزيز الاقتصاد والاستثمارات في المجالات الزراعية والصناعية وتوفير فرص العمل الواسعة والعمل على انشاء خط سكك حديد من البصرة الى تركيا” داعيا الى “وضع الايدي مع بعضها لمواجهة الارهاب، ومشيرا الى السعي لتشكيل فريق مشترك بهذا الصدد، كما اكد ضرورة حسم قضايا منطقة بعشيقة وغيرها”.
وقال عبد المهدي: “نريد للعراق ان يكون نقطة التقاء بعد ان اخذ مكانته في دول المنطقة وعزز دوره في محيطه، وان مصالحنا المشتركة تقتضي اللقاء بزعماء الدول والتنسيق والتفاهم واقامة علاقات طيبة مع الجميع” .
 
تعاون في مجال المياه 
وبشأن ملف المياه، اشار رئيس الوزراء، خلال جلسة المباحثات المشتركة، الى اهمية الوصول الى اتفاقيات لفائدة البلدين والمنطقة، مشيدا بخطوة تسمية ممثل متخصص عن الرئيس التركي مع فريق من خمسين خبيرا للتعاون في مجال المياه مع العراق، موجها في الوقت نفسه، الشكر لاحتضان تركيا اعدادا كبيرة من ابناء الجالية العراقية ولدعم العراق بقرض وتشجيع السياحة بين البلدين،  كما اثنى على قيام تركيا بعلاج اعداد من جرحى القوات العراقية .
وشدد رئيس الوزراء في ختام كلمته على ضرورة تشكيل فرق متابعة من كلا الجانبين لإنجاز ماتم بحثه والاتفاق عليه . 
إشادة تركية بالانتصارات 
من جهته قال الرئيس التركي: احييكم بالمحبة والاحترام وانتم تحلون ضيوفا اعزاء في بلادنا، ونحن نتابع بعمق وارتياح خطوات الحكومة لمصلحة الشعب العراقي، وان اسم العراق لم يعد يذكر معه الارهاب الذي تمت هزيمته، مقدما التهاني بالنصر على داعش ومشيدا بشجاعة العراقيين وماقدموه من شهداء وجرحى .   
واشار اردوغان خلال الجلسة المشتركة، الى مضمون المباحثات التي اجراها مع رئيس مجلس الوزراء بشأن التعاون في مكافحة الارهاب وانشطة المنظمات الارهابية، والمجالات الاقتصادية والطاقة والتعليم واعمار العراق ومساهمة الشركات التركية في هذا المجال، والاتفاق على عقد المجلس الستراتيجي الاعلى المشترك في بغداد، معربا عن ارتياحه لتطور العلاقات مع العراق وارتفاع حجم التبادل التجاري الى خمسة عشر مليار دولار عما كان عليه قبل عام والتطلع  الى بلوغه عشرين مليار دولار .  
واكد اردوغان، بحسب بيان مكتب رئيس الوزراء، استعداد تركيا لتفعيل واصلاح خط كركوك جيهان وشراء النفط العراقي والتعاون في مجال المياه والحدود والجمارك ، مشيرا الى تكليف ممثله الخاص بهذا الشأن للتعاون وحل المشاكل المتعلقة بالمياه وبناء السدود اللازمة والاستفادة منها لتوليد الكهرباء، داعيا في الوقت نفسه، الى التعاون في المجالات العسكرية والامنية والى عقد اتفاقية في هذا الاتجاه، والتعاون في مجالات الصناعات الدفاعية، كما اكد الرئيس التركي ان مباحثات العمل ستتناول عددا من المناطق ومنها منطقة بعشيقة . 
 
نقاش الجارين
وحظيت الزيارات الرسمية لوفود كلال البلدين، التي تكللت أمس بزيارة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي الى انقرة، باهتمام خبراء العلاقات الدولية والاقتصاد الأتراك، لما لها من أهمية وتأثير في الروابط بين البلدين خصوصا، وفي منطقة الشرق الأوسط عموما، في وقت يحتاج فيه البلدان والإقليم للتقارب والتفاهم والاتفاق أكثر من أي وقت آخر.
ووجد البروفسور سمير صالحة، أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، أن “زيارة رئيس وزراء العراق تندرج في إطار اللقاءات المكثفة الأخيرة بين القيادات السياسية في العراق وتركيا، واستكمال المباحثات في التعامل مع ملفات ليست ثنائية فقط، بل إقليمية أيضا في مرحلة صعبة ودقيقة تمر بها المنطقة”.
وقال صالحة، لمراسل “الصباح” في اسطنبول: إن “هناك ملفات ثنائية جديرة بالنقاش، تطرق لها عبد المهدي واوغلو أمس، بينها العلاقات السياسية، والأمن، والحرب على التنظيمات الإرهابية، والمياه، والعلاقات التجارية”.
وأضاف أن “زيارة عبد المهدي تحمل معها ملفات جديدة، فرئيس الوزراء طرح مع جاويش أوغلو في بغداد موضوع إحياء خط سكة الحديد بين البصرة وتركيا، وتفعيل هذا الخط في هذه المرحلة مهم جدا على صعيد العلاقات التجارية والانفتاح التركي العراقي”. 
وشهدت العلاقات العراقية التركية مراحل من الأخذ والرد بسبب ملفات احتفظت بصفة “عالقة” لسنوات بينها ملف وجود عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات تركية في الأراضي العراقية، وملف المياه المتدفقة إلى العراق، ومخاوف تقليل حصصها من الأراضي التركية.
وتبدو العلاقات التركية – العراقية، لصالحة في الآونة الأخيرة “متحررة من تأثيرات الأجواء الإقليمية والأطراف الثالثة في مسار الملفات العالقة”.
وبيّن صالحة أن “هناك قناعة تركية - عراقية واضحة باتجاه التخلص من هذه التأثيرات في العلاقات، فمثلا كانت العلاقات تتأثر بالملف الكردي، وكانت الرؤية التركية في أكثر الأحيان تتعارض مع الرؤية العراقية، لكن بعد ما جرى في موضوع الاستفتاء، والتنسيق التركي العراقي الذي لحقه ظهرت قراءة مشتركة جديدة وطرح وأسلوب أكثر انفتاحا”.
وضرب الخبير التركي مثالا آخر “هناك ملف مهم كان يعقد الحوار أيضا وهو التواجد العسكري التركي في العراق”. وتابع أن  “هذا الملف تبدو فيه الآن القراءة أكثر واقعية وعملية بين البلدين باتجاه الانتهاء منه”. 
وأظهر الخبير تفاؤلا “في ملف المياه، فإلى جانب مناقشة ملء سد إليسو التركي الذي أنجز، تنتظر أنقرة الآن التنسيق المباشر مع الحكومة العراقية باتجاه أن يكون هناك تعاون للإفادة من مياه دجلة والفرات، وهي مسألة في غاية الأهمية لعلاقات البلدين”.
وأكد الأكاديمي المخضرم أهمية أن “يدعم التنسيق التركي العراقي هذه المرة، والذي دائما كنا نطالب به ونركز فيه، العلاقات الثنائية، لأنه إذا حقق هذه الخطوة المهمة جدا، ونجح في الوصول إلى غاياته، فسيلعب دورا أساسيا على المستوى الإقليمي”. 
 
حديث المنطقة
ولمس صالحة أهمية أخرى في زيارة عبد المهدي “تأتي من تطرقها لموضوع التصعيد في منطقة الخليج والاستهداف الأميركي الجديد لإيران”، مردفا أن “تركيا تبحث عن تنسيق تركي عراقي في هذا الموضوع أيضا، كما أن القيادات العراقية تتطلع أيضا إلى ستراتيجية بالاتجاه نفسه 
. لماذا؟ لأن التصعيد في المنطقة لن يخدم دولها وشعوبها إطلاقا هذا أولا، وثانيا لأن مبررات التصعيد التي تسوقها الولايات المتحدة الأميركية تتعارض مع مصالح الكثير من الدول والشعوب، ولذلك نرى أن التنسيق التركي العراقي في هذه المرحلة مهم جدا”.
وحدد الخبير في ملفات المنطقة “ان ملف الطاقة ملف اهتمت به زيارة عبد المهدي لما فيه من تعقيد”. وتابع أن “أنقرة مهتمة بأن ترفع بغداد حجم مبيعاتها من النفط إلى الجانب التركي، خصوصا وأن هناك تصعيدا أميركيا باتجاه محاصرة إيران، بشكل أو بآخر، وأنقرة، التي تشتري النفط من طهران، تبحث عن بدائل وخيارات لتأمين حاجتها من النفط إذا ما دخلت المنطقة في أزمة من هذا النوع”.
ولفت صالحة إلى أن “هذا لا يعني إطلاقا أن الجانبين التركي والعراقي يبحثان عن تنسيق يستهدف مصالح طرف آخر في المنطقة”.
وعرّج على “الملف السوري وأن التنسيق التركي العراقي فيه مهم جدا ليس في موضوع اللجوء فقط، بل في موضوع التصدي للجماعات الإرهابية التي تتنقل عبر المناطق الحدودية بين البلدين، سواء كانت مجموعات داعش الإرهابية، أو مجموعات حزب العمال الكردستاني أيضا”.
وخلص خبير العلاقات الدولية إلى أن “هناك ملفات صعبة يتطلب حلها الكثير من العناية والدراية والوقت”، مستدركا “لكن أظن أن هناك قناعة تركية عراقية مهمة تفيد بأن التأخر أو التردد في معالجة هذه المسائل ينعكس سلبا على مصالح ونفوذ الجانبين في الإقليم”.
 
لغة الاقتصاد
وتميزت العلاقات العراقية – التركية باستمرار التفاهم بين الجانبين عبر لغة الاقتصاد. وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري انخفض منذ اجتياح تنظيم داعش الإرهابي للعراق، فإن التجارة وعموم العملية الاقتصادية لم تنقطع.
وقال محمد زكي غوفرجين، مدير العلاقات الخارجية في جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك، لمراسل “الصباح” في اسطنبول: إن “أعمالنا مع العراق مستمرة، فنحن مرتبطون به ومتصلون معه. وإذا ذهبتم إلى منطقة كليس الحدودية فبإمكانكم أن تروا الفعاليات الموجودة ذات العلاقة مع العراق الذي يشكل جغرافية وحدودا شقيقة”.
وعدّ غوفرجين “رجال الأعمال الأتراك مقربين جدا من رجال الأعمال العراقيين، والمستثمرين العراقيين من أهم المستثمرين لدينا، وتركيا من أكثر الدول التي أقامت مع العراق علاقات تجارية”.
وتهتم جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك القريبة من الحكومة التركية بمجال الطاقة في ظل أزمة محتملة بفعل إلغاء إعفاء تركيا من عقوبات صادرات إيران النفطية.
وذكر رجل الأعمال التركي “نحتاج إلى الطاقة، والعراق توجد فيه موارد الطاقة والبترول. هذا هدف لكنه ليس الهدف الوحيد، فنحن نحاول تنمية وتقوية القطاعات المختلفة في العراق، وتقديم فوائد اقتصادية له”، مستبشرا بأن “زيارة رئيس وزراء العراق ستقوي التعاون والاهتمامات المشتركة، وتحقق إنجازات مختلفة”.
وتمنى المسؤول التجاري على “الأشقاء العراقيين أن يعملوا ويستثمروا معنا”. ونوه بأن “هناك الكثير من الأعمال المشتركة التي يمكن أن ننجزها، وسنكون سعداء جدا للعمل معا، سواء في مجالات الطاقة، أو البناء، أو العلاج، أو الخدمات، فقدر هذه الأراضي، وهذه الجغرافية يتمحور حول عملنا الجماعي”.