القضاء الأميركي يلاحق المهاجرين المسلمين

بانوراما 2023/12/07
...

 حامد علي عزيز

 ترجمة: بهاء سلمان

في كل مرة كان ينجو فيها من الخطر خلال الرحلة التي أوصلته في نهاية المطاف إلى كاليفورنيا، كان "شمس الدين شمس"، 25 سنة، يطمئن والدته عبر حديث مرئي معها؛ وكان تحب هذا الأمر، ليس لسماع صوته فقط، وإنما لرؤية وجهه، حتى لو كان محياه مليئا بالمعاناة والخوف.

لقد رأته بعد فراره من وطنه افغانستان إلى الأبد متوجها إلى باكستان، مارا عبر أكداس من البقايا البشرية أثناء عبوره غابات بنما، وبعد هروبه من مدينة تاباتشيولا الواقعة في الطرف الجنوبي للمكسيك، طالبه مسلحون بالتخلّي عن كل شيء كان بقي لديه لم يخسره.

لكن بعدما وجد "شمس" نفسه في مركز اعتقال ضمن ولاية تكساس الاميركية، مواجها الحبس لفترة على جريمة فيدرالية غامضة المعالم، قام بالاتصال هاتفيا فقط. 

سألته أمه عن سبب عدم قدرتها على رؤية وجهه، فكان رده بالكذب بقوله أنه في مخيّم، وأنه بأمان، والانترنت لا يعمل ضمن المنطقة التي يتواجد فيها، لترد عليه بأنها دوما اعتادت على الحديث معه مرئيا. 

كانت الأم غير مصدقة بكلام ولدها، لكنه توصل إلى امكانية مواصلة هذه التمثيلية، ومارسها حقا على مدى ثمانية أشهر، ظنا منه أن خديعة الابن مستساغة أكثر من قلق الأم.    وقع شمس في فخ جهود فيدرالية غير مسبوقة، التي بشكل غير متناسب تقوم بحجز المهاجرين القادمين من دول ذات أغلبية مسلمة على جريمة غامضة تتعلق بعدم عبور الحدود من مركز تفتيش رسمي والحضور عند دائرة الجمارك. هذه التهمة، المفترض أنها تحارب منذ عقود تهريب المخدرات، حكمها الأعلى يبلغ السجن لمدة عام واحد، وهي ضعف المدة الزمنية لتهمة الدخول غير الشرعي المعروفة تماما، والتي يصل حدها الأعلى إلى ستة أشهر. 

وتجري مقاضاة جزء بسيط من مئات آلاف الأشخاص العابرين لحدود البلاد الجنوبية كل سنة، أو إطلاقهم داخل الولايات المتحدة بعد مطالبتهم باللجوء. ورغم مقاضاة الحكومة الأميركية لآلاف المهاجرين سنويا على إعادة الدخول للبلاد بعد ترحيلهم، فإن الملاحقات القضائية للعبور أول مرة تعد أقل شيوعا.

منذ تشرين الأول 2021، وجّهت دائرة المدعي العام الأميركي لدى بلدة ديل ريو في ولاية تكساس تهما لأكثر من مئتي مهاجر بخرق قانون نادرا ما يتم تفعيله، ويعد منسيا تماما، وهو قانون أميركي يشير إلى أن أي شخص يدخل إلى البلاد يجب عليه المرور بنقطة تفتيش والحضور لدى دائرة الكمارك.


دخول غير شرعي

أكثر من ستين بالمئة من المتهمين وفقا لهذا القانون كانوا من دول ذات اغلبية مسلمة، وبضمنها افغانستان وسوريا وايران ومالي، بحسب محللين صحفيين ومئات السجلات التابعة للمحاكم الفيدرالية. ولا يشكل مواطنو الدول المسلمة إلا جزءا بسيطا، أقل بكثير من خمسة بالمئة، من الأفراد العابرين للحدود الجنوبية، بحسب بيانات حكومية.

"إذا كان يجري توظيف هذا القانون لاستهداف الناس اعتمادا على معتقداتهم الدينية أو جنسياتهم، فهذا يثير قضايا قانونية غاية في الخطورة،" كما يقول "لي جيليرنت" المحامي لدى "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية". وفي أغلب الحالات، تتم ادانة المهاجرين، والكثير منهم يقضون أكثر من سبعة أشهر في مراكز الاحتجاز الفيدرالية، كما توضح السجلات. 

وعادة ما يتم رفض طلب محامي الدفاع الساعين لإخراج موكليهم بكفالة. وأدى رفض المسؤولين الرد على أسئلة محددة إلى استحالة معرفة إن كانت الملاحقات القضائية وراءها مخاوف شرعية تخص الأمن القومي للبلاد، أو جمع معلومات استخباراتية أو تعامل بانحياز، أو شيء آخر مغاير كليا. 

وتوحي حقيقة أن الملاحقات القضائية الاستثنائية بحق المهاجرين من دول ذات أغلبية مسلمة محصورة في منطقة قضائية تابعة لغرب تكساس بأنها ليست جزءا من جهود حكومية واسعة؛ بيد أن مسؤولي المخابرات لطالما كانوا يشعرون بالتوجس من احتمال محاولة الإرهابيين الدخول إلى البلاد عبر الحدود الجنوبية.  كما أن مكتب التحقيقات الفيدرالية، الذي لديه تأريخ في تجنيد المخبرين داخل التجمعات السكنية المسلمة، يتمتع بنفوذ كبير على الناس المحتجزين بالمراكز الفيدرالية. وتقول "مورين فرانكو"، المتخصصة بشؤون محاكمة المجرمين لدى منطقة غرب تكساس القضائية، بأنها تفترض بكون احتجاز المهاجرين بهذه الطريقة يحصل لضمان كونهم من غير المجرمين أو المدرجين على قوائم الإرهاب. 

غير أنها أشارت إلى أن غالبية القضايا التي تعامل مكتبها معها تتضمن مهاجرين يعبرون الحدود للمرة الأولى وطالبي لجوء.  

وتم اكتشاف أربع قضايا زعم المدعون العامون أن المهاجرين يمثلون فيها تهديدا للأمن القومي، وخمس قضايا ذكر المدعون أنها تحمل "معلومات مهينة"، وهو مصطلح واسع يشمل ليس فقط معلومات من وكالات الأمن القومي، بل سوابق إجرامية أو حتى خروق لقوانين الهجرة أيضا. 

 ونوّهت مورين بأن زملاءها في العمل يشعرون بالإرباك بسبب الأعداد الهائلة التي تعبر الحدود في تكساس، وخصوصا منطقة ديل ريو، وتضيف: "ارتفعت هذه الملاحقات القضائية أيضا بعد بدء الحرب الاوكرانية، بالتالي فإن احتجاز الناس الذين لا  تملك الحكومة الأميركية سجلات عنهم ربما يكون مبررا. عندما ألقيت نظرة على القائمة، على أي حال، شعرت بالقلق من كون العديد جدا من الأفراد قادمين من دول الشرق الأوسط."


صحيفة لوس انجليس تايمز الاميركية