ترجمة: أنيس الصفار
منذ اندلاع الحرب بين اسرائيل ومناضلي غزة بقيت إيران، وهي لاعب إقليمي كبير وحليف أساسي لحركة حماس، تمارس حملة دبلوماسيّة نشطة لعزل اسرائيل. في الوقت نفسه كانت تسعى لإبراز نفسها بصورة من لا يعنيه انتشار الصراع إلى خارج الحدود الحاليّة. ومع تغيّر التطورات الميدانيّة يبقى السؤال حول رد فعل إيران مع مضي عدوها اللدود في تنفيذ الهجوم البري الذي وعد به على قطاع غزة المحاصر.
كان دعم القضية الفلسطينيّة مبدأ آيديولوجياً أساسياً للنظام الديني الشيعي الحاكم في إيران منذ بدايته بعد ثورة 1979. تجاهلت إيران الضغوط الدوليّة على مدى العقود الأربعة الماضية ومضت في رعاية وتمويل وتسليح وتوسيع شبكة من الحلفاء في أنحاء الشرق الأوسط لأجل ما تسميه "تصدير الثورة" ولتثبيت نفوذها الاقليمي، وهي سياسة اعتبرها غرماؤها الغربيون سلوكاً متّسماً بالمغامرة وفيه رعاية للإرهاب.
كان شعار "الطريق إلى القدس يمرُّ عبر كربلاء" في خطاب الجمهوريَّة الإسلاميَّة له دلالة تشي بالكثير، فجهود طهران لبناء القوة.. من العراق وسوريا إلى اليمن فلبنان والأراضي المحتلة هي حرب مع اسرائيل بشكل غير مباشر واستهداف للمصالح الأميركيّة. بعد الضربات الجوية الاسرائيلية المستمرة على غزة، التي انطلقت اثر العملية المفاجأة التي نفذتها حركة حماس على اسرائيل في 7 تشرين الأول، أخذت إيران تحذّر من أن صراعاً يعمّ المنطقة قد غدا على مرمى حجر.
قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي الخامنئي في كلمة ألقاها قبل أسابيع: "لن يقدر أحد أن يوقف قوى المقاومة إذا ما واصل النظام الصهيوني رفضه إيقاف هجماته". وكان الخامنئي الذي يتولى اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسة إيران الخارجيّة وشؤونها العسكريّة، يشير إلى حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وجماعات حليفة أخرى في المنطقة ضمن ما تسميه إيران "محور المقاومة".
ومع تعاظم قدرات حزب الله الصاروخيَّة المتصوّرة خلال السنوات الأخيرة بدعم كبير من طهران باتت هذه الحركة اللبنانيَّة أكبر خطر يهدد اسرائيل حاليَّاً. فبعد لقائه بحسن نصر الله، تحدث وزير الخارجيَّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بثقة واضحة عبر التلفزيون الرسمي فقال: "أكدت لي قوى المقاومة استعدادها لأية مواجهة مباشرة مع النظام الصهيوني". وفقاً لما قاله عبد اللهيان فإنَّ اسرائيل اذا ما مضت في هجومها المخطط له على غزة سوف تدفع حلفاء إيران، المدعومين من قبلها، إلى التحرّك وسينتهي الأمر بإعادة رسم خارطة اسرائيل وإرغامها على التخلي عن الأرض.
إيقاف العدو عند حد لا يتجاوزه بمعارك تخاض خارج حدود إيران كان دوماً عقيدة أساسية في أجندة طهران للأمن والسياسة الخارجيَّة التي روّج لها وتابع تطبيقها بشكل خاص قاسم سليماني قائد قوات القدس التابعة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي الذي لقي مصرعه بضربة جوية أميركية مطلع العام 2020.
ثلاث جبهات وورقة النفط
عرض التلفزيون الرسمي الإيراني مؤخراً تقريراً يوضح بالتفصيل كيف يمكن للفصائل المسلحة أن تتدفق على اسرائيل من ثلاثة اتجاهات مختلفة. ووفقاً لذلك السيناريو يستطيع حزب الله من الشمال والحوثيون اليمنيون من الجنوب والفصائل في سوريا من الشرق ان يمطروا اسرائيل بالوابل تلو الوابل من الصواريخ والقذائف ايرانيّة الصنع، ويضيف التقرير: "الزناد ربما سيضغط خلال الأيام المقبلة". لكن مراجعة التصريحات الإيرانية الرسمية المعلنة تنمُّ عن دقة انتقاء للكلمات، فهم يواصلون التحدث عن "جماعات مقاومة مستقلة" متجنّبين أيّة إشارة إلى وقوع مواجهة إيرانية مباشرة مع اسرائيل التي تبدو متفوقة عسكرياً، على الورق في الأقل.
رغم خطابها الناري المعروف في عداء الاسرائيليين والأميركيين خلال فترات التصعيد التي شهدتها المنطقة تميل القيادة الإيرانية غالباً إلى كبح التسرّع في الاندفاع نحو الصراع. فحتى سلسلة الاغتيالات التي طالت علماء إيرانيين في الصواريخ والمجال النووي، ورغم الهجمات التخريبيَّة على منشآتها النوويَّة التي نُسبت إلى اسرائيل خلال العقد الماضي، لم تنجر إيران ولو لمرة واحدة إلى المواجهة العسكريّة معها مطلقاً.
الشيء ذاته حدث بوضوح أكثر حين تفادت إيران حرباً شاملة مع الولايات المتحدة عقب مقتل سليماني، تلك الحادثة التي جعلت المراقبين يجلسون على حواف مقاعدهم حذراً وترقباً من احتمال اندلاع صراع اقليمي. ربما كانت إيران تعوّل أيضاً على الدعم بدرجة ما من روسيا والصين في حالة توسّع رقعة الحرب، وهما حليفان رئيسيان رفضا إدانة عمليات حماس الأخيرة علناً. كلتا الدولتان كانتا تكثفان تعاونهما العسكري مع إيران بشكل متزايد بضمنها إجراء تدريبات مشتركة في المياه الدوليَّة.
ورغم تجنّب طهران المواجهة المباشرة مع اسرائيل والولايات المتحدة، لكنّها كانت دائبة التهديد باستخدام ورقة النفط في منطقة الخليج، وكان الحرس الثوري الإيراني يستعرض قوته من خلال احتجاز السفن وتهديد القوات البحرية للولايات المتحدة. وسط التصعيد بين حماس واسرائيل يجدد المتشددون في إيران تهديداتهم مشيرين إلى إغلاق مضيق هرمز، وهو أهم ممر ستراتيجي لنقل النفط الخام في العالم إلى جانب كونه ممراً حيويَّاً للتجارة الدوليَّة.
تتطلع إيران إلى فرض أجندتها واكتساب اليد العليا في أي صراع اقليمي مع اسرائيل مستغلة قربها الجغرافي من المضيق. ويعتقد المسؤولون أن أي إغلاق لهذا الممر المائي الحيوي، وما سيتبعه من تصاعد شاهق في أسعار النفط وارسال موجة من التشنجات والاضطراب في الأسواق العالميَّة، يمكن أن تكون له آثاره الكبيرة على المحصّلة النهائيَّة.
عن مجلة {المونيتور}