فتياتٌ يواجهن البطالة برحلة بحثٍ صعبة

ولد وبنت 2023/12/11
...

 عواطف مدلول

 بالوقت الذي يشكو فيه الشباب الذكور من قلة فرص العمل، فإن البنات بعد اقتحامهن له وبقوة في السنوات الاخيرة دخلن بالمعاناة نفسها، حيث أخذ الوضع العام بالمجتمع العراقي يشجّع على أن تكسر الفتاة الحواجز والقيود، التي كانت مفروضة سابقا عليها، لتخرج بجزء لا بأس به من الحرية، بحثًا عن  مصدر رزق تسند نفسها به، وقد تعيل أسرتها اذا كانت بحاجة لها في أداء تلك المهمة، وبحسب الظروف التي تمر بها في حال غياب الأب والأخ أو تقصيرهم، وربما عجزهم عن القيام بذلك الواجب.
الفشل بالدراسة
سنار التي تركت الدراسة جراء عدم قدرتها على الاستمرار فيها، بسبب انعدام رغبتها بتحضير الواجبات، وانتظار المراحل لسنوات للحصول على شهادة لا قيمة لها، بحسب اعتقادها لأنها لا تظفر بعدها بوظيفة، طرقت أبواب العمل الحر، حينما اختارت أن تتواجد في أحد المولات كعاملة بمحل لبيع اكسسوارات البنات، خاصة أنها لا تجيد أي حرفة، تؤكد سنار محمود بعد فشلها بالمدرسة قررت أن تبحث عن عمل يحقق لها مردود مادي جيد، ويلبي احتياجاتها الضرورية، بدلا من أن تكون عالة على أسرتها، التي تعاني الفقر والعوز، وتضم عددًا كبيرًا من الأفراد، إلا أنها واجهت صعوبات كثيرة قبل أن تتهيأ لها فرصة العمل هذه، ومع ذلك لا تضمن استقرارها فيها، فقد يستغنى عنها بكل سهولة وتتوقع ذلك بين فترة وأخرى، لكنها ترى أن من ايجابيات خروجها لتلك البيئة تعلّمها الاعتماد على نفسها، وكذلك اتقان التعامل مع الزبونات وطريقة كسبهن، لذا تطمح أن تنشأ مشروعها مستقبلا بعد أن تكتشف تفاصيل وخفايا العمل واسراره بذلك المجال ليصبح حلم عمرها المترقب.

غياب القانون
في حين تشكو رنا كاظم من انتشار المحسوبية والواسطة بالأماكن، التي تسعى للعمل بها، لذلك بقيت تتخبط  بينها حتى انتهى الأمر بها خياطة منزلية، واستطاعت أن تجذب بعض الزبونات لها بالحي الذي تسكن فيه، ومن ثم الترويج عن إنجازها ببيج خاص بها، لكن لا يوفر لها الا النادر من الرزق لا سيما أنها تعيش ظرفا اجتماعيا حرجا، على اثر انفصالها بسن مبكرة، وتعرضها للمضايقات والتحرش جعلها تفكر بالعمل من المنزل، فهي تخشى أن تقع ضحية لتلك السلوكيات المشينة من قبل أرباب العمل، لا سيما في ظل غياب القانون، الذي يوفر لها الحماية التي تزرع بداخلها الاطمئنان للآخرين، وحتى لو وجد فإنه غير مفعّل بمجتمعنا.

النفوس الضعيفة
يرى الطاب الجامعي محمد ناجي أن الشاب يختلف عن البنت في جو ومحيط العمل، فهو مباح له الشغل بمعظم الأعمال دون تردد أو خجل، حتى لو كان من حملة الشهادات والواقع أثبت ذلك، كما أن هناك مهنًا تتطلب قوةً جسمانية وعناء وتعبًا، يلجأ إليها الولد كآخر الحلول، اذا لم يجد عملا ملائما له،  لكن الفتاة كانت وما زالت مطمعًا للنفوس الضعيفة، ولن تتغير النظرة تجاهها بشكل سريع، لأن ذلك يتطلب سنوات طويلة من التحضر، لذا تقف عاجزة أمام بعض العقول العفنة، التي تمنعها من ممارسة حقها بالعمل، بعيدا عن أنواع الخوف والقلق والتهديد، وما عليها إلا أخذ الحذر والحيطة وعدم الانجرار، وراء الإغراءات، التي تسعى لاستدراجها لمهن ربما تؤدي بها إلى الهاوية فتنهي مستقبلها.

تمييز عنصري
من خلال المشاركة بمنظمات تطوعية استطاعت نورس علي أن تجد عملا لها كمندوبة مبيعات بشركة أهلية إلى جانب استمرارها بالجامعة، تبين أن ظروفًا قاهرة أجبرتها على خوض هذه التجربة، فهي بحاجة الى مصاريف كثيرة، لتسديد متطلباتها ومشاركة زوجها بمسؤولية البيت، ولذلك تتحمل أحيانا الشروط  التي تفرض عليها كإجراء تغيير بطريقة لبسها وشكلها، وتضيف بأن الفتيات غير مفضّلات بالعمل، إلا في حالة التضحية بالموافقة على بعض التنازلات، مقارنة بالشباب الذكور، فهناك تمييز عنصري واضح في التعامل والأجور، ونتيجته يؤثر سلبا في البنات، موضحة بقولها: بالنسبة لي إذا عبرت التجاوزات الحدود المعقولة فإني أغادر فورا بلا رجعة، مهما تسبب ذلك بخسارة مادية لي.
بينما تشجّع السيدة نيران جاسم ابنتها على العمل بعد أن وجدت قريناتها التحقن بقطاعاته المختلفة، لبناء واثبات ذاتها، مع تذكيرها دومًا بالحرص في الحفاظ على الكرامة والاحترام، تقول نيران وهي أرملة ومصابة بعدة أمراض: في السابق كانت بعض المهن معيبة، بينما الآن باتت الأسرة لا تخجل من أن تبعث بنتها لها، خصوصا اذا كانت قد غرست الثقة فيها وأحسنت تربيتها.

القطاع الخاص
يشير الباحث النفسي والاجتماعي الاستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة، إلى أن دخول المرأة لمجال العمل من مميزات المجتمع الحديث لأنها نصفه، ومشاركتها بالأمور الوظيفية، وكذلك الحياتية يقدم خدمات كثيرة لها ولمن حولها، ويوسع إطلاعها ويزيد من مهاراتها، وبالتالي من ضروريات الحياة أن تكون هناك مشاركة حقيقية بين الجنسين، خاصة الزوجين في تصريف أعمال المنزل، لأن الحالة الاقتصادية تؤثر بشكل كبير في السعادة الأسرية، لكن المشكلة تكمن بندرة الفرص للبنت، حتى وإن كانت موجودة نرى فيها كثيرًا من المخاطر والقسوة بالعمل بالقطاع الخاص بالذات، ولذلك يجب أن تكون هناك نقابة للدفاع عن المتضررات منهن، بحيث لا تسمح باستخدامهن كوسيلة ابتزازية لبعض أصحاب رؤوس الأموال، وأيضا توفير فرص عمل مناسبة لهن، خصوصا بمجال التوظيف الحكومي، لأننا لاحظنا بالمؤسسات اجتهادهن ومثابرتهن بأمانة، ذلك ما يسهم في إحداث نقلة كبيرة بالعمل، وهذا ليس دفاعًا عن المرأة، بل التجارب أثبتت ذلك، إذ إن قلّة قليلة منهن تتهم بالفساد المالي والإداري، ولذلك أصبح وجودهن مهمًا في المهن المختلفة.

إيجابيّات
ويذكر خليفة بعض الإيجابيات التي ينبغي الإشادة بها، وهي أن الشابة دخلت مجالات عديدة كانت حكرًا على الرجال، مثل القوات المسلحة والشرطة والقضاة وإن كانت بنسب محدودة.
ومن جهة أخرى ينتقد إحدى الظواهر، التي انتشرت مؤخرا، موضحا نحن كباحثين نرفض عمل الشابات الصغيرات بالسن، خصوصا في مناطق غير مقبولة، مثل الكافيهات وبعض المنتديات، التي قد تتسبب في انحراف بعضهن.
كما أن عملية دخولهن لها سوف تحدث الكثير من الأزمات الاجتماعية، لا سيما أن دائرة الضمان الاجتماعي وايضا نقابة العمال والشرطة المجتمعية بعيدة عن هذه الأماكن، اذ  يفترض الدخول لها ودراسة ومناقشة الأسباب، التي دفعتهن للعمل بها،  فلولا سوء المعيشة لما يذهبن لها. مختتما: جزء من واجب الدولة أن تضع برنامجًا متكاملا، يشمل عملية تدريب وتأهيل البنات للعمل بالقطاع خاص، ويمكن منحهن القروض الصغيرة لإنشاء مشاريع بسيطة لهن.