الوصول إلى السوق النظاميَّة

اقتصادية 2023/12/11
...

محمد شريف أبو ميسم

ما زالت الاختلالات الهيكليَّة في الاقتصاد العراقي تُلقي بظلالها على مشهد الاقتصاد الكلي في البلاد، ابتداءً بحركة السوق ومروراً بمعدلات الأسعار وسوق العمل وانتهاءً بالأسواق الثانويَّة أو ما يُسمى بالأسواق السوداء وتحديداً منها سوق صرف العملات الأجنبيَّة، على الرغم من قوة الاحتياطيات الدوليَّة الواسعة التي تمتلكها البلاد.
وعلى الرغم من تدفق الكتلة النقدية بموجب أوامر صرف تخصيصات الموازنة العامة في عموم القطاعات الحكومية، والتي عادة ما يكون لها تأثير كبير في تنشيط حركة السوق وانتعاش التداولات والتبادلات إلا أنَّ إشكالية سعر الصرف كان لها تأثير كبير في ديمومة حالة الانكماش النسبي التي تشهدها الأسواق، جرّاء الارتفاعات المتعاقبة في أسعار السلع وانعدام حالة التوازن في سوق العمل بين الفائض من الأيدي العاملة العاطلة والشح في فرص العمل، الأمر الذي يسحب خلفه فرصاً كبيرة لانتعاش الأسواق غير النظامية التي باتت تشكل ظاهرة مستدامة
في الاقتصاد العراقي.
وربما تكون لمحاولات تكييف السياستين النقدية والمالية مع معايير الامتثال الدولي، في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي مرحلة انتقالية في إدخال تقانات النظام الصيرفي الشامل وإعادة هيكلة الرساميل والموارد البشرية، في ظل ارتفاع معدلات الاستهلاك وعدم قدرة السوق المحلية على تغطية الحد الأدنى من الطلب المحلي، أثر في صناعة أسباب هذه الإرباكات التي تسهم في دعم ظهور الأسواق غير النظامية، فضلاً عمّا خلفته سياسة الاستيراد المفتوح بعد العام 2003 من تأثيرات استمرت لسنوات في ظل إغراق سلعي غير مسبوق لنحو ستة عشر عاماً.
كل هذه العوامل وسواها التي أسهمت وتسهم في تكريس وجود الأسواق غير النظامية يمكن أن تميل إلى أن تنحسر في حال تنشيط القطاعات الحقيقية وإنعاش سوق العمل بمزيد من الوظائف عبر دعم القطاع الخاص المنضبط من خلال تسهيلات وامتيازات تدفع وتشجع ممارسي فعاليات اقتصاد الظل والسوق غير النظامية على الخوض في مساحة التداولات والتبادلات النظامية، فضلاً عن أهمية وضع حد للاستيراد غير المبرر.
ومن نوافل القول هنا أنَّ اتباع سياسة (فتح نوافذ استيراد مدعومة مضافة للسلع الأساسية والحفاظ على أسعارها الممولة بسعر صرف 1320 ديناراً للدولار كما جاء في مبادرة حكومية) يقتضي الفصل بينها وبين السلع المستوردة في الأسواق غير النظامية، وفق آلية تسهم في انضباط السوق، وبخلافه فإنَّ تجّار السوق غير النظامية سيكونون من أوائل المنتفعين وأكثرهم تأثيراً في تكريس وجود الأسواق الثانوية.