{ كَناطر} جودت التميمي

ثقافة شعبية 2019/05/17
...

ريسان الخزعلي
*.. أنه وكَلبي ابهيمة الوحشه انسبينه، لادرب يعرف وجهنا إو لاوجه شفنه طفولتنا ابجبينه، لا جِدَم ينكَل ابشاره إو يعتنينه، لابكَت ايد التحط دفو المحبه ابحضن ادينه، لاشفايف تكَطف البسمه علينه، إولابعد تلعب مراجيح العشكَ والشوكَ بينه...،إوجيتج امن ابعيد من دنيه بعيده، سندباد، سندباد ابلا متاع ، ابلا شباب، ابلا سفينه، لشوكت ؟ نبكَه انتحمه اعله الثلج واحنه من جانت محبتنه جهنم ما دفينه !..*
نعم، انه سندباد غريب، أضاع البيت والجهة، واكتفى بالمحبة / الجهنم، ولم يعد باستطاعته الابحار، فلا متاع للرحلة، ولاشباب، ولا سفينة ..، اذن لا ممكنات لهذا السندباد الوهمي غير ان يبحث عن / كَناطر / قد توصله الى ضفة ٍ ما، بعد ان اصطحب قلبه فقط ..، ماأسهل المحاولة! وما أصعبها!.
الشاعر الراحل ( جودت التميمي )..، شاعر موهوب، كتب الشعر منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ،كتب الشعر معتمداً على قوّة  هذه الموهبة ، الّا أنه جعل منها طريقاً الى السهولة ، ولم يكن ملتفتاً الى التطوّر الفني الا ماندر ، وما كان منشغلاً بوعي كتابة القصيدة ، بل استغرق كثيراً في كتابة الاغاني تحت ضغط الحاجة والعوز، وله مئات الاغاني التي شاع صيتها عراقياً وعربياً .
إنَّ ادراك الشاعر لأهمية القصيدة قد جاء بعد التحديث / النوّابي / وما تلاه من تطوّر على ايدي شعراء مثقفين. وبالفعل كتب قصائد جديدة لها وقعها الفني ، لكنَّ ضغط الحاجة والعوز ، اضطرّه الى ان يبيعها الى آخرين متشاعرين ، وقد ظهرت في دواوينهم ، الّا أنه ادرك الخسارة لاحقاً ، وبقي متحسراً لا يقوى على الاعتراض الا بسرّية يعرفها مجايلوه . ومن قصائده اللامعة التي لم يشترها أحد بسبب مناخها السياسي، قصيدة ( رمدة الشمس ) التي تُنسب خطأً الى الشاعر مظفر النواب.
في بداية السبعينيات، صحا الشاعر من صدمة الخسارة، وجمع الشتات مما تبقّى لديه ، قائلاً : انَّ ما لديَّ بعد الذي حصل لم يكن سوى خواطر . والخواطر هذه، هيَ ما ضمّته مجموعته الوحيدة ( الكَناطر ) ..، وبسهولة يمكن ملاحظة الاعتراف والندم في المقدمة التي كتبها لمجموعته : صدرت للاسواق مجموعة من الدواوين الشعبية التي يختفي اسمي وراء الاسماء التي تحملها ، وحصل ذلك خلال مرحلة العطش والحرمان. وهنا يصح ان نقول: لقد اضاع الشاعر الجسور واكتفى بالكَناطر، فالجسور للانهار والكَناطر للسواقي .
في مجموعة ( الكَناطر ) يجيء التوليد الشعري بسيطاً راكضاً ، لا يخلو من التهكّم   كما هي طبيعة الشاعر الاجتماعية ،الا في قصيدتين هما: السندباد –التي اصبحت أغنية للمطرب سعدون جابر، وموسم الدموع . إنَّ هاتين القصيدتين لا تندرجان تحت عنوان تصنيفه – الخواطر، كونهما تحملان الظلال النفسية والروحية والفنية لقدرات الشاعر، وتمثلان النموذج المرتبط بقصائده اللامعة / المباعة.
( موسم ادموعي انتهه إو للشوكَ ما ظل غيم ، بطّل شتال العشكَ لا تشتل اعله الديم ).
جودت التميمي، شاعر موهوب ، وكان من الممكن ان يشغل مكاناً في الصف الأول مع مجايليه، الا انها عثرات الغفلة والاستسهال والابتعاد عن التأصيل الثقافي، وحين نستعيده الان، فإننا نستعيد شعر الموهبة الصافية، نستعيد شاعراً كتب بكثافة، نستعيد صورة الشاعر حينما يقطف العوز قصائده، ذاهبة ً الى دواوين الآخرين. انها استعادة  (الكَناطر ) التي لم توصلْه ُ ، حتى الى البيت.