عوائل الدواعش.. لبنة لتأسيس إرهاب المستقبل

بانوراما 2019/05/17
...

جين عراف
ترجمة: ليندا أدور
تجمعت النسوة تحت مسقف من الحديد المموج ليحتمين من المطر، وقد لامست أطراف عباءاتهن السو الطويلة الأوحال وهن يصطففن ضمن طابور بانتظار وجبة الطعام ، لكنهن كن يرفعن الدعاء لعودة ما كان يطلق عليه «دولة الخلافة».
يكتظ مخيم الهول البائس، في منطقة روج آفا السورية، ذات الأغلبية الكردية، بأكثر من  72 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، من الذين غادروا  الشهر الماضي آخر بقعة أرض كان تنظيم داعش يسيطر عليها في الباغوز. يضم المخيم الآلاف من العراقيين والسوريين الذين كان الإيمان يملأهم بأنهم سيعلنون عن دولة خلافة جديدة، فهم يشكلون خطرا على الحكومة العراقية، من خلال السعي لإعادة العراقيين منهم الى العراق، والى السلطات الكردية السورية، حيث لا مكان لاعادة السوريين منهم.
 
الأكثر وحشية
تذكر احدى النساء، وقد رفضن جميعهن الافصاح عن اسمائهن، أن هذا هو اليوم الثالث لها وهي تعود أدراجها دون الحصول على علبة الغذاء التي وعدوا بها، فعلقت بالقول: «هذا ظلم، نحن نصلي وندعو من الله كي تعود «دولة الخلافة»، مضيفة: «لو لم تكن الضربات الجوية التي استهدفت خيامنا ومخيماتنا، قد تسببت بمقتل أطفالنا، لما تركنا دولة الخلافة». ثم وجه بعضهن كلامهن لي من خلال فتحة صغيرة تُظهر أعينهن فقط، وقد حجبت العباءات السود الطويلة أجسامهن بالكامل، وبعضهن غطين حتى عيونهن، وصرخن بأصوات متفاوتة بوجهي قائلات: «تحولي، تحولي الى الاسلام»، فقط رددي الشهادة»، وهن يحثنني على نطق شهادة الاسلام: «لا اله الا الله، محمد رسول الله» وهي العبارة التي يتلوها المسلم ليعبر عن معتقده، وأردفت واحدة منهن بهذه الكلمات: «إن اعتنقتي الاسلام، وارتديتي الحجاب مثلنا وأصبحتي فردا من ديننا، فلن تُقتلي». 
بالنسبة للعالم، والحكومات التي هددها، وعشرات الآلاف من الضحايا الذين قتلوا في العراق وسوريا، كان تنظيم داعش هو من أخطر واكثر التنظيمات وحشية، وبالنسبة لاتباعه، الذين يعدّون بعشرات الآلاف وقد تركوا آخر معاقلهم بسوريا دون أدنى تغيير بمعتقداتهم، فإنهم يرون أن التنظيم لم يقدم على اقتراف أي خطأ يذكر. إنهم، في دولتهم المزعومة، يرون أن العدل كان سائدا، ولم تكن هناك رشوة أو فساد أو «واسطة». يقول أحد الصبية، وهو عراقي: «إن كان أبو بكر البغدادي أو أي راع، فإن الجميع كانوا سواسية» في اشارة منه الى زعيم التنظيم الذي يعتقد انه يختبىء الآن. يذكر الموجودون بأنهم كانوا يحصلون على الطعام بيسر تحت حكم «دولة الخلافة»، وكان يتم توزيع الطعام، أما عندما انتقلوا الى المخيم، فكل يوم يأتون فيه الى هنا يتعرضون للاهانة قبل أن يخبرهم مسؤولو المخيم بأن لا شيء لهم خلال ذلك اليوم. 
 
عبدة الشيطان
تعتقد معظم نساء المخيم بأن الظروف القاسية التي يعيشونها هي أمر متعمد، وهي جزء مما يعتقدن بانه «حرب لا تنتهي ضد المسلمين» في جميع أنحاء العالم، وان كل ما حدث تحت ظل حكم داعش كان «من إرادة الله». تقول احدى السوريات: «بالتأكيد، كان هناك قطع للرؤوس، ولم علي أن أكذب؟» مضيفة: «لكنه بُني اعتمادا على القرآن وتعاليم الله»، ولدى سؤالها عن الأقلية الأيزيدية، التي استهدفت من قبل التنظيم بحملة إبادة جماعية، فصرخن جميعهن: «إنهم عبدة الشيطان».
تحدثت عراقية عن الايزيديين بقولها: «إن لم يعتنقوا الاسلام ويصبحوا مسلمين مثلنا ويعبدوا الله، فهم يستحقون ذلك المصير». 
كما شكت معظم النسوة من أن المخيم مليء بالكفار، فهناك الموسيقى، وحراس من الذكور والاناث، يرتدون ملابس ضيقة ويدخنون السكائر، وتصر مجموعة أخرى من النسوة أن الأمور جميعها كانت أفضل تحت ظل ما اسمينه «الدولة». تذكر إمرأة سورية: «تحت ظل الدولة، كانت المرأة تسير ورأسها مرفوع عاليا، بينما يغض الرجل عينيه، أما هنا، فيحدث العكس». 
من جهة أخرة، ترى القيادة الكردية السورية بأن الاعداد الكبيرة من النساء والأطفال المتطرفين تمثل خطرا متناميا على المجتمع: «ان النساء والأطفال الذين نشأوا وتربوا على عقلية داعش والارهاب، بحاجة لاعادة تأهيلهم ودمجهم ضمن مجتمعاتهم»، بحسب عبد الكريم عمر، مسؤول العلاقات الخارجية للاقليم الكردي في شمالي شرق سوريا، مضيفا «وإلا، فإنهم سيصبحون قواعد للإرهاب القادم». 
 
مسألة وقت
تشرف القوات الكردية السورية على مخيم آخر صغير، ويتم فيه تقديم برنامج مخصص لزوجات الدواعش المنحدرات من دول غربية، ويشتمل على محاضرات حول كيف أن «داعش» ليس هو الاسلام الصحيح، كما يقدم تفاصيل عن ما اقترفه التنظيم بحق الأيزيديين وغيرهم من النساء. لكن مخيم الهول، يفتقر الى برامج مماثلة لعوائل الدواعش من العراقيين والسوريين. ويقول هشام الهاشمي، الخبير بشؤون مكافحة الارهاب في العراق: «لا يمكن لأي مسؤول أن يغير شيء، حتى لو ذهب لمدة ساعة وتحدث اليهم».
يقول علي عباس جهاكار، أحد المسؤولين بوزارة الهجرة والمهجرين العراقية: «سبق أن قدمنا مقترحات لبرامج تتعلق بنزع التطرف عن سكان المخيم، لكن لم يتم تطبيق أي منها» وأن الحكومة العراقية فقط تخطط لإعادة 30 ألف عراقي من النساء والأطفال في غضون ثلاثة أشهر، لكن من دون إجبار العوائل على العودة رغما عنها. أما سوريا، فيشير مسؤولو المخيم، ألى أن أقل من ألف عراقي مقيم فيها أشاروا الى رغبتهم بالعودة الى بلادهم. وذكرت النسوة القادمات الى مخيم الهول، بأنهن موجودات هناك لأن البغدادي طلب منهن الفرار لأجل انقاذ الاطفال. تتحدث أحدى النساء، وهي فتاة من تكريت، تبدو بسن الحادية عشرة او الثانية عشرة، وكانت الأكثر حماسة بين المجموعة، عن الاطفال بقولها: «هؤلا هم الجيل القادم للخلافة، فإذا ما تحدثت اليهم ستجد بأن العقيدة الحقيقية مزروعة داخل أذهانهم، وأن هذه العقيدة ستبقى راسخة». تكمل الفتاة حديثها بأنه: «عندما يحين موعد يوم القيامة، سيصب الله المعدن المصهور في آذان كل من يستمع الى الموسيقى، أما اللواتي لم يرتدين الحجاب، فأدعو من الله في الحياة القادمة، أن يشعل نيران جهنم بشعورهن»، والكلام للفتاة، مشيرة بأنها كانت قد التحقت بالمدرسة، تحت حكم داعش، وانها لن تعود اليها حتى تعود دولة الخلافة، الأمر الذي يؤكده أنهم جميعا يعتقدون بأنه مجرد مسألة وقت.