كاظم الرويعي مُنشد الحب والحرب

ثقافة شعبية 2023/12/21
...

 سعد صاحب


عادت القضيَّة الفلسطينيَّة إلى الواجهة بقوة من جديد، وعلينا أن نقلب الدفاتر القديمة، ونرى الأعاجيب من شعراء الحب الذين كتبوا الأغاني الرقيقة، كيف تحولوا بعد نكسة حزيران، وحرب اكتوبر الخالدة، التي انتصر فيها الجيش المصري على الكيان الغاصب، إلى شعراء حرب يؤمنون بالكفاح المسلح طريقا شرعيا لتحرير الأراضي المغتصبة.
ومازال هذا الشعور يتنامى من جيل إلى جيل .( أخذني التفگتك بارود/ يالعابر شطوط الموت/ اخذني وفوت/ مو عيب المشأور والحجي البسكوت ).

محارب
الشاعر الغنائيّ كاظم الرويعي كتب عن فلسطين، بروح المحارب الجسور، وكأنّه يقول إن الحرب العادلة، سوف تعود علينا بسلام دائم، وهنا ندخل في عالم المتناقضات، هناك قسم من المفكرين، يعتبر العنف جريمة حتى لو كان مشروعا، وهناك من يرى الدماء والحديد والفولاذ والمقأومة، الجسر الحقيقي الممتد إلى الحرية والخلاص وحفظ كرامة الشعوب .( اخذني وفوت/ عيب اگضي الوكت/ يونس بجوف الحوت/ يا جرح الشهامه التمطر الياقوت/ اخذني وفوت/ مو مرتين مره الموت ).

بندقية
البارود والبندقية والدم والموت والمذابح، مفردات تثير الاشمئزاز، لكنها مطلوبة في وقت الشدة، فالسعادة لا تأتي إلا بعد الأحزان المتراكمة، والراحة لا تجيء إلا بعد المشأوير المتعبة، ولا يحصل الإنسان على الحرية إلا بعد البؤس والاستغلال والحرمان والشقاء والقيود والموانع ، وهي من اسمى المطالب الانسانية المقدسة، التي لا يتنازل عنها الثائر مهما كانت التضحيات جسيمة .( اخذني التفگتك بارود / يالعابر نهار الدم/ اخذني شما ردت وياك/ زلم تلتم/ فجر اظلم/ ذبح علگم/ الكل ايد التطفي النوراصيرن سم ).

انتحار
البيرق مفردة حربيّة بامتياز، سواء في الزمان القديم أو الوقت الحاضر، ورغم استخدامها المكرور ما فقدت الجدة ، لكنها ثقيلة على المسامع لأنها مقترنة بالردى، والشاعر يعلن عن عشقه للحرب الملعونة، وهي لا تخلو من الانتحار والفائدة معا، وهي خليط من النقائص والهمجية والمرائر والقليل من الفضائل، والشاعر يدعو للثأر من الاعداء، وبين العار والانتصار، يتلوى المبدع بين نارين، نار القتل الجالبة للمأساة ، ونعيم السلام الغائب المفقود .( يرايح والصدك بيرغ على زنودك/ ملت اجدامي الدرب/ اشمرني نار/ عشگت اعيوني الحرب/ اشعلني ثار/ لصير الدمعة الخيمه/ خبز واسلاح واكتاب ونهار ).      

واجب
لا توجد رابطة بين الجمال والجرائم، وأخطر المجرمين الذين يصنعون أسلحة الدمار، ويبيعونها إلى الشعوب الفقيرة، والعاشق الشفاف الرقيق، يغادر السلامة والأمان واحضان العائلة والاصدقاء، وراح يدافع عن الوطن السليب، بحكم الواجب والضرورة والدوافع المختلفة، والقتال إلى ما لا نهاية، مصيبة أخرى تضاف إلى المصائب، ورغم الجوع والبرد وشحة المياه وقلة المؤونة، لا يتخلى المحارب عن معشوقته الوفية، وما أصعب أن تكون شاعرا وجنديا وعاشقا وانسانا ، وأن توازن بين هذه المكونات الصعبة .( اخذني وخلي المجفن اسيوفه وروح/ لضوگن شهگة المذبوح/ لضوگن حرگة المجروح/ اخذني وروح/ واشتلني بحلك مدفع شرارة روح / واشتلني بگلب عايل مرارة ونوح/ احصدلك ولو نجمه/ واغنيلك ولو نغمه/ عذب طعم الشهاده العزة الامه ).

تناقض
يذكر الشاعر المناطق التحرريّة في العالم، والبلدان الساعية إلى حريتها عبر النضال، وكأنّه يشيد بهذه الأوطان الثورية الحالمة، بكل ما يتيح للإنسان أن يكون سعيدا، ومتطورا وصاحب كفاءة في شتى الميادين، ثم يمدح الفكر اليساري، باعتباره المنقذ من الامية والجهل والبطالة والواقع المتردي المريض .( ذكروك الي ابفيتنام وبجفك شمس/ ذكروك الي ابكمبوديا وجرحك عرس / ذكروك الي الراحوا وردوا امس امس/ أو صفوك جيفارا وبوليفيا القدس ). بعدها يشد من عزيمة المقاتل، ويوعده بالنصر المؤزر، شريطة أن يكون مخلصا
للقضيّة .
( وشح اجروحك بالفخر والجاي جاي/ لا تظل جلمة منبر أو ونات ناي/ بهداي مشي الداي لو طأول مسير الداي ). يختتم الرويعي القصيدة ببيتين : الأول يدعو إلى السلام والحب والتسامح ونسيان الماضي البغيض .
( تنسد الشبابيج الفتحهه الدم ).
والثاني يبارك التقدم والضربة المباغتة للعدو الغاشم، وهذا ما يزيد من لهيب الحرائق، وهنا نرجع إلى التناقض الذي شخصناه في البداية .( تقدم وك تقدم وك تقدم / الماغافل عدوه ابضربته يندم).