ماثيو كانتور
ترجمة: مي اسماعيل
في عالم تسوده «روبوتات الدردشة-chat bots» و{المؤثرون-influencers»؛ كان اتفاق أكثر القواميس استخداما في العالم: «ميريام-ويبستر- Merriam-Webster» و»كامبريج- Cambridge» و{كولينز- Collins» على الكلمات الأكثر ترددا هذا العام أمرا نادرا.. مع اقتراب نهاية العام تعلن القواميس عن كلمة العام باالنسبة لهم، وكان البادئ معجم «ميريام- ويبستر» الأكثر تقديرا لدى الجمهور الأميركي؛ معلنا عن كلمة العام: «أصلي- authentic».
جاء في إعلانه أن معدلات البحث عن تلك الكلمة قفزت بشكل كبير هذا العام؛ بفضل النقاشات.. «حول الذكاء الاصطناعي وثقافة المشاهير والهوية ووسائل التواصل الاجتماعي».. وهذا امر منطقي؛ إذ إن مفهوم «الأصالة» يقف عند مناطق تقاطع الكثير مما كان يدور في الذهنية الجماعية للناس.
تشكيل الذات الرقميَّة
جعلتنا النماذج اللغوية مثل «شات جي بي تي- ChatGPT» (المحوّل التوليدي للدردشة بالذكاء الاصطناعي. المترجمة) ومحركات توليد الصور مثل «دال-إي- Dall-E « غير واثقين مما هو أصلي؛ من أطروحات الطلبة الى إختيارات ملابس البابا.
بينما ساهمت المخاوف حول نسخة الذكاء الاصطناعي للإبداع بتأجيج إضراب طويل الأمد في هوليوود.
وعندما يتعلق الأمر بالأخبار؛ فإن المعلومات الخاطئة والمضللة عبر الإنترنت وجيوش «البوت- bots» (تطبيق برمجي آلي يقوم بمهام متكررة عبر الشبكة- المترجمة؛ عن موسوعة ويكبيديا)، تجعلنا نعمل وفق مجموعات مختلفة من الحقائق.
وفي عالم نُشكّل فيه ذواتنا الرقمية بعناية؛ أصبح من الصعب بشكلٍ متزايد التمييز بين الشخصية الحقيقية والمصطنعة.
لا غرابة إذاً أن كلمات القواميس الرائدة الأخرى لهذا العام كانت متشابهة بشكل ملحوظ ؛ إذ اختار قاموس كامبريج كلمة «هلوسة- hallucinate»؛ مركزا اعلانه على الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ واصفا اياه بأنه..»بعيد عن الكمال لأنه قادر على إنتاج معلومات كاذبة؛ هلوسات؛ وتقديم تلك المعلومات على أنها حقيقة..».
ولم يذهب قاموس كولينز بعيدا عن القصد؛ وكانت كلمته لهذا العام هي «الذكاء الاصطناعي-AI».
ليس من المألوف أن تكون هذه القواميس متفقة في اختياراتها الى هذا الحد؛ ففي العام الماضي اختار قاموس «ميريام- ويبستر» كلمة «التلاعب بالعقول- gaslighting»، وقاموس كامبريج كلمة «هومر-homer» (وتعني: تحقيق انجاز كبير.
المترجمة).
واختار قاموس كولينز كلمة «الأزمة الممتدة- permacrisis». أما قاموس أوكسفورد، الذي اعتاد على استطلاع رأي الجمهور فاختار العام الماضي «goblin mode»؛ وهو مصطلح عامي يعني- «نوع من السلوك المرفوض من الأعراف أو التوقعات الاجتماعية». وهذا العام اختار أوكسفورد أيضا كلمة عامية هي «rizz» (وتعني- الجاذبية والقدرة على سحر الشخص المقابل. المترجمة).
مجرد أداء
في عالم ((منقسم)) مُستقطَب؛ يشير تضامن القواميس إلى أن هناك شيئا يمكننا أن نتفق عليه جميعا: ان الروبوتات مرعبة. فعلى خلاف معاني «التلاعب بالعقول» و»السلوك المرفوض»؛ فإن الذكاء الاصطناعي هو هوس يبدو أنه ينتقل عبر الأجيال. فسواء كان المرء من جيل طفرة المواليد (ما بعد الحرب العالمية الثانية. المترجمة) أم جيل أواخر القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة؛ يبدو الذكاء الاصطناعي المفتوح وكأنه علامة على التغيير تتجاوز بكثير «NFT» (رموز التشفير غير القابلة للاستبدال ولا التكرار. المترجمة) أو «ميتافيرس- metaverse» (= مساحة الواقع الافتراضي التي يمكن للمستخدمين التفاعل من خلالها مع بيئة إنشأها الكمبيوتر ومستخدمين آخرين. المترجمة) وجميع البدع الأخرى التي قيل لنا إنها ستغير البشرية. وفي هذه الأثناء، وبالعودة إلى عالم البشر الفعليين؛ يستعرض المشاهير ومعلمو الصحة «ذواتهم الأصلية»؛ وكما يشير قاموس «ميريام-ويبستر»؛ فإن الأصالة بحد ذاتها قد أصبحت مجرد أداء.. وبعبارة اخرى؛ أصبحنا أكثر كفاءة في التظاهر بأننا حقيقيون. لكن ما هو حقيقي واقعيا (لسوء الحظ) ليس مثيرا للاهتمام؛ إذ يبدو أن التطبيقات التي تدعو لإلتقاط صور المستخدِمين دون توقع منهم وهم يؤدون أعمالا غير متميزة لم تلاقِ إلاّ نجاحا وقتيا عابرا. كما لم تعُد وجوهنا الحقيقية قابلة للمشاهدة على أي حال؛ إذ ارتفعت معدلات إجراء الجراحات التجميلية بنحو عشرين بالمئة بين عامي 2019 و2022.
لعل الوقت قد حان لإتخاذ منظور مختلف عن الأصالة؛ فماذا لو تقبلنا قنوات التواصل الخاصة بنا على أنها ليست هويتنا، بل امتدادات منسقة بعناية لأنفسنا.. مثل المشاريع الفنية الطموحة الصغيرة؟ فإن ما نريد أن نكون عليه هو جزء مهم من هويتنا، رغم كل شيء.. وبدلا من النظر الى منصات «إنستغرام» و»تيك توك» على انها أصالة مؤداة، ربما يمكننا رؤيتها على حقيقتها: أداءات أصيلة..
صحيفة الغارديان البريطانية