حكومة فيتنام تَنْقَلِبُ على أبطال المناخ

بانوراما 2023/12/24
...

  ريبيكا راتكليف

  ترجمة: بهاء سلمان


قبل نحو عام، وافقت دول مجموعة السبع على تقديم مليارات الدولارات لمساعدة فيتنام على التخلّص من الفحم. ووصف «ريشي سوناك»، رئيس الوزراء البريطاني، التمويل بأنّه «سيُغيّر قواعد اللعبة في مكافحة تغيّر المناخ». وقد تم تصميمه لمساعدة فيتنام على تحقيق تحوّل «عادل ومنصف» في مجال الطاقة، بمساهمة من المجتمع المدني.

ولكن فيتنام واصلت حملتها ضد دعاة حماية البيئة، وسجنت قادة المنظمات غير الحكومية والخبراء الفنيين المتخصصين في الطاقة النظيفة، حتى تم اعتقال «نغو ثي تو نهين»، مديرة مركز أبحاث مستقل لسياسة الطاقة، والتي تعمل مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة قبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) الأخير. هذه المرأة تعد الخبير السادس العامل في مجال القضايا البيئية، التي يتم اعتقالها خلال العامين الماضيين، كما تم القبض على اثنين من المستشارين الذين عملت معهم.

كما حكم على عالم البيئة البارز «هوانغ ثي مينه هونغ»، الذي كان أول شخص فيتنامي يزور القارة القطبية الجنوبية، والباحث في مؤسسة أوباما، بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة التهرب الضريبي وتشير جماعات ناشطة بحقوق الإنسان الى أن الاتهامات لها دوافع سياسية.

كانت السلطات الفيتنامية تتسامح مع الناشطين البيئيين المشتغلين في مجال المنظمات غير الحكومية المقرّة من قبل الدولة، بحسب «بن سوانتون»، المدير المشارك لمشروع 88، وهي مجموعة مناصرة لحقوق الإنسان، ويضيف: «لقد سمح لهم بدرجة معينة مساحة تحرّك لم تتح لنشطاء حقوق الإنسان والديمقراطية.»

ومن خلال التعليقات التي نشرتها وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، نفت الحكومة استهدافها للمدافعين عن البيئة، وقالت إن الأشخاص الذين تم اعتقالهم مؤخرا عوملوا وفقا للقانون. وقالت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية «فام ثو هانغ»: «نحن نرفض تماما المعلومات الكاذبة ذات النوايا السيئة حول أنشطة فيتنام في مكافحة الجريمة ومنعها، وكذلك العلاقات الخارجية للبلاد.»

ويقول سوانتون إنه على مدى العامين الماضيين، تم استهداف قيادة الحركة البيئية في فيتنام، ويضيف: «لقد أصبح هؤلاء الأشخاص أقوياء للغاية، وتحدوا احتكار الحزب الشيوعي لوضع السياسات».


هوس الحصول على الطاقة

وتشهد فيتنام؛ التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، طلبا متزايدا على الطاقة وتعتمد بشكل كبير على الفحم. وقد التزمت الحكومة بالانتقال إلى الطاقة النظيفة، وأعلنت في عام 2021 أنها ستصل بحلول عام 2050 إلى تحقيق تصفير الانبعاثات الضارة مع وصول الانبعاثات إلى ذروتها بحلول عام 2030. ويبقى تحقيق هذا الهدف يمثل تحديا هائلا يستلزم إنفاق أموال ضخمة.

اتفقت دول مجموعة السبع، ومعها الدنمارك والنرويج، أواخر العام الماضي على برنامج «شراكة عادلة لانتقال الطاقة» مع فيتنام لمساعدتها على جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي بمجال خفض مستويات الكاربون. ويتضمن الاتفاق جمع نحو 15 مليار دولار من التمويل العام والخاص لتسريع عملية التحوّل؛ كما تطمح إلى خلق فرص العمل وإشراك المجتمع المدني فيه.

يقول «نغوين خاك جيانغ»، الزميل الزائر في معهد يوسف إسحاق، المتّخذ من سنغافورة مقرا له والمتخصّص في السياسة الفيتنامية، إن الحكومة الفيتنامية، وبعد أن حددت هدفها بتصفير الاشعاعات سنة 2021، لم ترغب بوجود «أي نوع من التدخّل السياسي»، حتى من الشخصيات التي تعاونت مع الوكالات الحكومية في الماضي، ولم يمثلوا حرجا للحكومة بشكل خاص.

وتقول «سوزان فام ثي»، الأستاذة المساعدة الزائرة في جامعة بيلكنت ومؤلفة كتاب «المعارضون في فيتنام»، إن وجود شخصيات بارزة في المجتمع المدني كان ربما يعتبر أمرا مفيدا في تأمين شراكات التمويل مثل برنامج  الشراكة العادلة، لكن من المحتمل أن تكون مصالح الحزب قد تغيّرت. «إن دولة الحزب الشيوعي ليست كتلة أيديولوجية متجانسة، فهي لديها اهتمامات متغيّرة. إنهم أيضا بطريقة ما عمليون جدا عندما يتعلق الأمر بالمصالح الرأسمالية والمصالح المالية للبلاد.»


الأقوى يفرض كلمته

كانت الرسالة التي تم بثها هي «نحن؛ الدولة والحزب، أبرمنا صفقة برنامج الشراكة. إنها مهمتنا ويجب على المجموعات الأخرى البقاء بعيدا.» الآن هو الوقت المثالي لفيتنام لتشديد الرقابة على الأنشطة البيئية، وفقا لجيانغ، الذي أضاف أن فيتنام أصبحت «محبوبة للغرب باعتبارات تخص الموقع الجيوسياسي»، إذ قامت مؤخرا بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، المتطلّعة لمواجهة نفوذ الصين في المنطقة. كما أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأستراليا دافئة، مع انشغال الغرب بتحديات جيوسياسية أخرى، بضمنها الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة.

وتوصل المشروع 88، الذي حلل القضايا الجنائية المرفوعة ضد أربعة أفراد متهمين بالتهرب الضريبي قبل عام 2023، إلى أنهم حرموا من محاكمة عادلة، بما في ذلك الاتصال الفوري بمحام، وتم احتجازهم احتياطيا، وحكم عليهم بالسجن رغم أن هذا لا يمثل القاعدة المعتادة في مثل هذه الحالات.

ويعتقد أن اثنين من الناشطين لا يزالان قيد الاحتجاز، وتم إطلاق سراح اثنين آخرين. ويقول «أولي برون»، أستاذ المجتمع والعولمة في جامعة روسكيلد، إنه بعد الاعتقالات الأخيرة، كان هناك «قلق كبير» بين الأكاديميين والعاملين في المنظمات غير الحكومية، ويضيف: «أعلم أن بعض قادة المنظمات غير الحكومية البارزين يفكرون أيضا في المغادرة».

ويشير سوانتون إلى أن مجموعة السبع يجب أن تدعو إلى إطلاق سراح أي نشطاء ما زالوا رهن الاحتجاز، مضيفا أن التمويل المرتبط ببرنامج الشراكة العادلة يجب أن يستخدم كوسيلة ضغط على فيتنام. «يبدو لي أن هناك اهتماما أكبر، بين دول مجموعة السبع، بالحفاظ على الإنجازات الدبلوماسية مثل برنامج الرحلات الجوية العابرة للحدود وكذلك حماية النشطاء الذين جعلوا هذا الأمر واقعا بعدما كان حلما».

وبحسب سوانتون: «من غير المنطقي توقع التغيير من دون أنصار حماية البيئة وسط غياب مجتمع مدني يشارك في تحوّل الطاقة في البلاد، لأنه لن يكون هناك من يحاسب الحكومة».


صحيفة الغارديان البريطانية