اوفيليا دي بابلو وخافير زوريتا
ترجمة: بهاء سلمان
قبل طلوع الفجر وعبر سلسلة جبال سييرا ديلا كوليبرا بمنطقة زامورا الاسبانية، يخرق عواء ذئب مفاجئ الأجواء الباردة؛ ويتصاعد مستوى العواء ليشمل صداه أرجاء الجبال. ومع بدء ضوء الفجر في السماء، تظهر أشباح الذئاب، فيبرز أولهم الذكر الكبير، ومن ثم بقية مجموعة الذئاب محتفلة بظهورها في وقت الفجر، بين الضياء والعتمة.
دأب الأوروبيون على ملاحقة هذه الحيوانات الكبيرة الآكلة للحوم على مدى قرون، حتى كادت أن تباد، لتبقى موجودة فقط ضمن المناطق البعيدة التي لا يمكن الوصول إليها أو القليلة السكان جدا.
حاليا، وبسبب تغيّر المواقف وتوفير المزيد من الحماية، تجري استعادة قطعان الذئاب في أوروبا بشكل بطيء، وتعود تلك المفترسات الخطرة على نحو تدريجي إلى مناطقها.
في إسبانيا، حيث تناقصت أعداد الذئب الايبيري إلى نحو خمسمئة ذئب خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث توجد حاليا الكثافة الأعلى لهذه الحيوانات على مستوى القارة.
ومع عودتها، ازدادت ضراوة الصراع القديم بين الرعاة والذئاب.
وبالنسبة للتجمعات السكنية التي تعيش وترعى المواشي بالقرب من تجمعات الذئاب، فإن عودتها أثارت سلسلة من المشاعر بين الخوف والنشوة، وسرعان ما ظهر الصراع بين البشر والذئاب على السطح.
وعبر مستوطنات الرعي الواقعة على تلال شمالي اسبانيا، يجرّب الرعاة ستراتيجية جديدة في محاولة للتعايش مع آكلة اللحوم هذه.
الراحة بعد المعاناة
يقيم "فيرناندو تابارا" في منزله وسط قرية سيرديلو التي يقطنها أربعة أشخاص فقط.
ويدرك هذا الراعي الكثير عن الصراع لأجل التعايش مع الذئاب.
وهو بعمر 22 سنة، ويدير منذ فترة حقلا ورثه من والديه يضم أكثر من مئة بقرة ضمن أحد أكثر مناطق أوروبا المعروفة بكثرة الذئاب فيها، منطقة سانابريا التابعة لإقليم
زامورا.
وفي هذه الليالي، يترك قطيعه الكبير كي ينام بلا خوف من الذئاب. فما هو سره؟
"أنا أملك جيشا من الكلاب؛ 13 كلبا ضخما من نوع درواس تقوم بحراسة القطيع.. والآن، أستطيع النوم مرتاح البال،" هكذا يصف فيرناندو الوضع مبتسما.
والدة فيرناندو، "لويزا تابارا"، أخبرتنا بأن الأمر لم يكن كذلك سابقا، وتضيف: "خلال سنة 2012، قتلت الذئاب اثني عشر عجلا، كانت مأساة.
بالنسبة لي، بقراتي يمثلن جزءا من حياتي." في هذه المرحلة، كما يقول ابنها فيرناندو، "منحنا بعض الجيران بعضا من جراء درواس لتربيتها بمعية الأبقار وللدفاع عنها ضد الذئاب.. أبلغني والدي حينها بعدم امكانية حصول هذا الأمر."
يمتطي فيرناندو صهوة فرسه عائدا إلى الجبال في هذه الأيام؛ حيث بدأت الأبقار تلد العجول، ولا تتركها الكلاب على الإطلاق.
نضع الكلاب داخل الاسطبل مع العجول منذ عمر صغير، وفي النهاية، تشعر وكأنها جزء من القطيع.. لقد أدركنا أنه مع وجود كلاب الدرواس، قضينا على مشكلة الذئاب."
تنخفض درجة الحرارة مع حلول المساء بالقرب من متنزه بيكوس دي اوروبا الوطني، ويظهر منظر قمة ايسبيغوت الصخرية تحت السماء المليئة بالنجوم، مع سير آلاف الخرفان في طريقها نحو الحظيرة التي شيّدها "خوان دياز" لتوه.
بدأ دياز العمل مع قطعان الماشية بعمر صغير جدا، متبعا خطى جده في منطقة اكستريمادورا.
وعندما بلغ سن السابعة عشرة، كان قد امتلك قطيعه الخاص، وانتقل إلى منطقة استورياس، ويعلق قائلا: "هناك حقا تعرّفت على ماهية الذئاب، لأنها في صيف تلك السنة قتلت 121 رأسا من ماشيتي. بطبيعة الحال، كنت صبيا عديم الخبرة."
اكتساب الخبرة
ينتمي دياز لمنطقة اختفت الذئاب منها منذ زمن بعيد، نتيجة ممارسات تقليدية من الرعاة لتجنّب أضرارها.
وفي وقت لاحق، عاد الراعي الشاب إلى ليون وهي منطقة قريبة من تلك التي فقد فيها حيواناته، مصطحبا أكثر من خمسمئة رأس ماعز قادما من اكتسريمادورا.
لكنه هذه المرة، كان متأهبا: فالكلاب التي أحضرها معه كانت من نوع درواس.
"خلال تلك السنة، لم تلمس الذئاب ولا حيوانا واحدا. عندما يكون القطيع ضمن منطقة مسيّجة كهربائيا أو برفقة للكلاب، لن يجرؤ الذئب على الاقتراب منه." وبسؤاله عن الصراع بين الرعاة والذئاب، أجاب دياز قائلا: "لماذا دخل الكلب إلى الكنيسة؟
لأن الباب كان مفتوحا." لقد استغرقت استعادة قطعان الذئاب في اسبانيا عقودا من الزمن. فخلال سبعينيات القرن الماضي، ومع وصول الذئاب إلى حافة الانقراض، بدأ عالم الطبيعة "فيليكس ديلا فيونتي" بحملة لإنقاذ هذه الحيوانات.
وقد ساهمت جهوده، بالإضافة إلى جهود منظمات أخرى، بإحداث تغيير بارز في التفكير، ليتحوّل وضع الذئب الايبيري من حيوان مشروعٍ صيدُه متمى ما شاء المرء إلى تشريع قانون يحدد أوقات وطريقة الصيد. وخلال التسعينيات، بدأ الذئب بالظهور مجددا بشكل خجول في مناطق إختفى منها لفترة طويلة. وفي العام2021 صدر قانون يحظر صيد الذئاب؛ ومع هذا، فقد شهدت السنة الماضية تجدد تدخّل السياسة بشؤون الذئب الايبيري، مع حملات أحزاب جناح اليمين لانتخابات تموز الماضي بجعل صيد تلك الحيوانات قانونيا مرة أخرى.
ومن الممكن أن تؤدي سياسة تنظيم أساليب السيطرة على الذئاب إلى نتائج جيدة للحفاظ على أعداد الماشية، فنسبة وسائل الحماية تصل إلى 61 بالمئة مع كلاب الدرواس، ونحو مئة بالمئة للأسيجة المكهّربة، وتبلغ نسبة الأسيجة الثابتة مئة بالمئة أيضا، وفقا لتقارير صندوق الطبيعة العالمي المستند إلى بحث أجراه المشروع الأوروبي المشترك.
صحيفة الغارديان البريطانية