استنطاق اللحظات الشعوريَّة في «خيمة الماء»

ثقافة 2019/05/19
...

  علوان السلمان
 
 
النص الشعري..منظومة دلالية..صوتية بتشكيل صوري مؤطر بمعمار هندسي يحتضن مشاهد مرئية ممزوجة بالخيال لتحقيق المتعة الجمالية المنبعثة من بين ثناياه.. والمنفعة الفكرية المتحققة من خلال التساؤلات التي يصنعها المنتح (الشاعر) بفعل وجداني متقاطع مع الواقع باستنطاق اللحظة الشعورية المحققة لفعلها التأثيري عبر نسق لغوي قادر على توكيد المعاني بجمله المتسامية والمتجاوزة للمألوف..
   وباستدعاء المجموعة الشعرية(خيمة الماء) التي انتجتها ذهنية فاعلة ومتفاعلة مع واقعها المجتمعي الانساني ونسجتها انامل منتجتها الشاعرة سلامة الصالحي واسهمت دار نينوى في نشرها وانتشارها/2018..كونها تتشكل وفق تصميم دقيق ينم عن اشتغال عميق على النص الشعري بشقيه القصير والقصير جدا(الومضة الشعرية اوقصيدة الصمت الايجابي او قصيدة الدهشة او اللحظة غير القابلة للتأجيل..) التي عرفت في سبعينيات القرن العشرين المتفرد بالتجريب والتحولات الفكرية والفنية والتطورات التكنولوجية.. والتي هي شكل من اشكال الحداثة التي تشكل دفقة شعورية موجزة العبارة متميزة بانسياب صورها المكثفة وخيالاتها المتوهجة وحساسيتها المرهفة مع ابتعاد عن الاستطرادات  والاكتفاء بالجملة المكثفة القصيرة..مع تركيز على الانزياح والدلالة المعدان من الاشتغالات اللغوية والحسية والبنيوية داخل النص الحداثي الوامض.. فضلا عن توظيف تكنيكات فنية(لغة شعرية/ صورة شعرية/موسيقى شعرية داخلية وخارجية) تنطلق من بين ثنايا الالفاظ الرامزة والجمل مع مفارقة اسلوبية تصويرية مفاجئة لتحقيق الايحاء الشعري.. التي طغت على نصوص المجموعة..والتي هي شكل من اشكال الحداثة الشعرية التي تحالفت والتحولات الفكرية والفنية والمؤثرات الخارجية المتمثلة في(حركة الحد الادنى) لخلق عالمها المساير للعصر الذي وسم بعصر  السرعة..معبرة عن احساس شعوري او مشهد ومضي بلحظتها المتجاوزة لمحطات الذاكرة لتحقق في المخيلة وجودها المستفز للفكر المنتج لنصه المقتصد بالفاظه والموجزة بجمله و المنطلق من مقولة النفري الصوفي(كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤيا) برؤية شعرية ترقى من المحسوس الى الذهني بتشكيل بصري يتحرك وحركة الذات المنتجة(الشاعرة) وتحولاتها الشعرية..اضافة الى التقاط المنتجة(الشاعرة) للجزئيات والتركيز على المفارقة الاسلوبية المتناغمة والبناء الدرامي بلغة يومية بعيدة عن التقعر..ابتداء من العنوان النص الموازي والايقونة الدالة التي تكشف عن المضامين النصية..والذي يتجاذبه عنصران شكلا جملة اسمية مضافة حذف احد اركانها وهو يتوزع بين بنيتين مكانية وزمانية..
الرمال وطن قاس..
تعودت عليه..
لماذا جئت شاخصا بالمطر..؟
وأنا وأسئلتي..
وهن على وهن..
وفصاله بضحكة واحدة..  /ص44
  فالنص بمجمل تحركاته الرامزة ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة الشعورية والنفسية باسلوب دينامي حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبه الجملية والمتجاوزة للقوالب الجاهزة والمعبرة عن الحالة النفسية وانفعالاتها بنسج شعري يحقق وظيفته من خلال الفكرة والعمل داخل اللغة..اضافة الى توظيف الشاعرة لتقانات فنية واسلوبية كتقنية التنقيط(النص الصامت)الدال على الحذف الذي يستدعي المتستهلك لملىء بياضاته.. وهناك الاستفهام الباحث عن جواب ليسهم في توسيع مديات النص.. فضلا عن توظيفها لتقانة التناص التي شكلت قيمة جمالية بتأثيثها للحوار بين نص المنتجة(الشاعرة) والنص المقدس(ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين..)لقمان/14.. من خلال اختراقها له ووضعه موضع التساؤل الانساني..
ها أنذا.. أعود من رحلة الغابة القريبة
كان اخي يلعب معي.. ونعوم سوية في سواقي الغفلة
حتى يدركنا هبوط الليل..ونسرع الى اكواخ طفولتنا..
أنا أتشح رأسي بضوء القمر الهارب..
وأخي خضبت وجهه السنين وبات شيخا يرهب الليل
أنا..ما زلت أجوب الغابة عند الفجر
والشجر اليابس حطبي
أسرق النار واشعل ضوءا في الغابة
فأشتعل به وارمي بروحي في الساقية العتيقة
تنطفيء النار..واعود الى الخيمة وحدي
برائحة الاحتراق       /ص85 ـ ص86
  فالشاعرة تحاول استنطاق اللحظات الشعورية عبر  نسق لغوي قادر على توكيد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية..مع اعتماد الرمز المكثف..الموجز لخلق نص بذهنية متفتحة ورؤية باصرة لوعي الفكرة..لذا فهي تترجم احاسيسها وانفعالاتها بنسج شعري درامي لتحقيق وظيفته من خلال الفكرة والعمل داخل اللغة بدقة تعبيرية مرتكزة على الفاظ موحية ودلالات مكثفة بتوظيف تقانات  فنية محركة للنص الذي يعتمد على جمالية الالفاظ الموحية..الشفيفة..المستفزة لتفجير طاقاته الشعرية كالرمز السمة الاسلوبية التي تسهم في الارتقاء بشعريته واتساع مساحة دلالته..اضافة الى انسنتها للجمادات وجعلها فاعلة ومتفاعلة في البناء النصي والحدثي..
أحبك..
 رغم افتراق السنين..
وشيخوخة المعنى
وطفولة الشعر..
أحبك..
أنا الهائمة مثل نرجسة تحت الشمس..
ولا عشبة قربي..
سوى حكايات تركض خلفي..
من زمن بعيد..
أعتق ماءك الشحيح..وأكرر ارتوائي
وعطشي لفيضك لذيذ..
وخيولي جامحة..راكضة اليك  /ص100
 فالنص يكشف عن قدرة فنية تسعى الى خلق الاتساق والانسجام بين مقاطعه النصية المرتبطة بوحدة عضوية عبر التكرار الدائري الدال على التوكيد(احبك) المقترن بنسق من العلائق الداخلية المتمثلة في التوازي الهندسي والدلالي والايقاعي المنبعث من بين ثنايا السطور الشعرية  والاسلوب التكراري.. وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا ناجمة عن موقف انفعالي تميزه كثافة العبارة وايجازها وعمق معناها مع اتصافها بخصوصيتها التركيبية ووحدتها العضوية وايحاءاتها اللفظية وتفردها في الايقاع والصورة 
والفكرة..