لا مجال للحرب في الخليج !

آراء 2019/05/19
...

د.بشار قدوري
 
واشنطن لا تسعى لحرب في المنطقة لأن سوق النفط أهم من الحرب، وإذا كان لابد من الحرب والضغط فان جناح الإصلاحيين الإيراني سيجلس مع واشنطن في النهاية، وأن الإصلاحيين في طهران أقل حدة من المحافظين في المواجهة العسكرية وهم إلى الجلوس مع ترامب أقرب. إن فريق الرئيس روحاني والوزير ظريف، من المحسوبين على التيار الإصلاحي والقريبين إلى الانفتاح الخارجي، أما فريق المحافظين الذي يعد مسيطراً على البرلمان الإيراني وكافة المؤسسات الدينية والعسكرية التي لديها قرار تكون بتجاة التهديد والوعيد وإحراق المنطقة وجيرانها فهي قريبة للمواجة منها للتفاوض. لذلك سنوجز بعض المفاصل الستراتيجية في الملف الإيراني.
 
الحرب على طهران تختلف
الاختلاف مع الفارق الزمني والمكاني بين أحداث الحرب على العراق والأحداث الآن على طهران فالزمن مختلف والمكان والأحداث كلها مختلفة عن حصار بغداد ومن ثم سقوطها بيد الأمريكان سنة 2003، من يفكر ان بعد المواجهة الأميركية الأيرانية يوجد اجتياح لإيران فإنه واهم لعدة اسباب منها:
1 - مساحة إيران مقارنة مع مساحة العراق.
2 - الطبيعة الإيدلوجية والعقيدية لدى المؤسسات العسكرية واللوجستية الداعمة للحرب والطبيعة الأيدلوجية للشعب الإيراني تختلف عن الأيدلوجية الحزبية للعراق سابقا بعد أن أنهك بـ 12 سنة من الجوع والحصار.
3 - التقدم الحاصل لإيران بمقارنته لتراجع بغداد في حينها وامتلاك مفاعلات نووية وكذلك تخصيب اليورانيوم والماء الثقيل.
5 - الترسانة العسكرية البحرية لإيران لا يستهان بها على عكس العراق الذي لا يملكها في حينها لمواجة الأسطول الأمريكي.
6 - التكوين الاجتماعي للشخصية الأعجمية تختلف كثيرا عن الشخصية العربية في ظواهر العناد والإرادة والطوح.
 
من يخرج طهران من مأزقها ؟ 
تحتاج طهران الآن إلى خطاب بصوت عال مع نبرة التهديد لترتقي مع التحركات الأمريكية في الخليج والمنطقة لذلك التوازن مطلوب في مجالات مختلفة من هذه المجالات هو السياسة الناعمة لإيران والمتمثله بالأمم المتحدة. إيران تحتاج مع الصوت والنبرة العالية إلى رجلاً عراب تفاوض وذي صوت دبلوماسي خافت طهران مرتاحة لامتلاكها رجل مثل محمد جواد ظريف الذي يحمل شهادة دكتوراه في القانون الدولي من جامعة دينفر بكولورادو في الولايات المتحدة ويلم بالثقافة الأميركية والمفاوضات مع الأمريكان والأوروبين حيث شارك منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي في كل جولات المفاوضات الدولية التي خاضتها إيران، وأكسبته خبرته الدبلوماسية الطويلة قدرة استثنائية جعلته يعتاد المفاوضات متعددة الأطراف.
وفي عام 2003 كان ظريف مع روحاني عندما كان يتولى منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين. وأخيرا يعد بطل الاتفاق النووي الإيراني سنة 2015 بعد أن تفاوض مع الغرب وأمريكا في معاهدة لوزان في استمرار برنامج إيران النووي للطاقة وانتاج اليورانيوم في محطة بوشهر النووية، حيث سمحت لإيران إكمال أعمالها في المحطة مع مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورفع العقوبات على إيران والمعروف عن هذا الاتفاق خطوة جيدة وناجحة لطهران ولمحمد جواد ظريف المفاوض البارع ذي الابتسامة الدبلوماسية.
 
الحصار ضعيف على إيران
اليوم أصبحنا أمام حصار على إيران لكن طبيعة الحصار المفروض ضعيف لعدة أسباب:
1 - الحصار أحادي ومطبق من قبل أمريكا فقط، أما روسيا والصين فلم تلزم حرفيا فيه، وكذلك دول إسلامية رافضة ذلك مثل تركيا وقطر، ناهيك عن فنزويلا والهند.
2 - العراق جار إيران الاقتصادي والبعد التجاري والمذهبي ولا يمكن له عزل العراق عن إيران بعد 2003 اجتماعيا وسياسيا وتجاريا، علما أن العراق معتمد على طهران في ملف الكهرباء والطاقة ووقود المحطات الكهربائية والبنزين والكاز وغاز الطبخ وكثير من المنتجات والخدمات النفطية.
3 - أفغانستان تستورد من إيران الكثير من النفط ومنتجات الطاقة ناهيك عن التبادل التجاري الآخر، حيث أعطت الولايات المتحدة الأمريكية إعفاء من العقوبات لميناء تشابهار الواقع على بحر العرب القريب من الحدود الإيرانية الأفغانية وأن الوضع في أفغانستان مضطرب ولطهران دور في إمداد أفغانستان بالطاقة وهذا بالنتيجة يضر بمصالح الولايات المتحدة لوجود قواتها هناك وهو سبب مقنع ومنفذ آخر عدا العراق لتصدير النفط.
4 - تركيا معتمدة على النفط والغاز الإيراني لذلك تجدها تدافع عن سياسة طهران ولديها مواقف عده منها مالية كإنشاء بنك مشترك يتعامل بكل العملات عدا الدولار، وسياسية على لسان خارجيتها، وتجارية معروفة وصناعية أيضا.
5 - يبلغ إجمالي صادرات النفط الخليجية حالياً، 15 مليون برميل في اليوم (5.9 ملايين من السعودية و3.4 ملايين من العراق و2.3 مليون من الكويت ومليونَين من الإمارات و0.25 مليون من قطر و0.20 من البحرين إضافةً إلى ما مجموعه مليون برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي)، لكن خطوط الأنابيب لا تنقل سوى 7 ملايين برميل يومياً من هذا الإنتاج (4.8 ملايين من السعودية و1.5 مليون من الإمارات و0.7 مليون من العراق). أي من مجموع 15 مليون برميل تصدر بالأنابيب 7 ملايين فقط بمعنى 8 ملايين برميل تصدر من خلال الخليج فيعد تهديداً مباشراً عند قطع مضيق هرمز وهو تهديد مباشر لسوق النفط العالمي وأمريكا والدول المصدرة لا تجازف بهذه الأمور.
 لهذه الأسباب وتعقيد المشهد وضبابية ما تطلبه أمريكا من إيران نجد أن الأمريكان سيتجهون نحو الجلوس مع طهران خاصة بعد انتهاء مدة الشهرين التي أعطتهما إيران للدول الغربية وعدم ايفائها بتعهداتها لمجال الطاقة النووية، مع الأخذ بالاعتبار أن التومان الإيراني فقد ثلثي قيمته بالسوق وكذلك تعويل أمريكا على تفتيت المجتمع الإيراني من الداخل ودعم الحراكات الانفصالية،  لكن من السابق لأوانه أن نشبه حال طهران بحال بغداد سنة 2003، خاصة وعلى راس السلطة الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف، اللذان يعدان من عباقرة وأسياد السياسة 
الخارجية.