إيران وواشنطن.. ما موقف عمان

آراء 2019/05/19
...


حازم مبيضين
 
يبدو أن شروط المواجهة العسكریة قد توفرت بالنسبة لفریق ترامب، المتعطش لشن حرب على إیران. في واشنطن تلاشت أصوات الحكمة والتعقل، وحلّت مكانها دعوات التصعید والنفیر لأشهر قلیلة ماضیة. وحسب تقدیرات الخبراء فإن المواجهة معلقة على حادث عابر، أو خطأ في الحسابات من أحد الطرفین. خطأ كهذا سیكلف المنطقة أضعاف ما كلفت حرب الخلیج في المرتین. فإیران ستخوض معركة حیاة أو موت، وتستخدم أقصى قدراتها العسكریة، وفي كل الساحات لرد الهجوم الأمیركي. ستضرب في كل مكان تطاله صواریخها العابرة، وسیجد الأردن نفسه أمام معادلة لایمكن احتمالها. أجواء الحرب ستخیم على المنطقة برمتها، وتجعل الاستقرار كشرط  للتنمیة والاستثمار والازدهار حلماً بعید المنال. لم یتصد مركز بحثي لغایة الآن لدراسة تأثیر حربي الخلیج الأولى والثانیة على الأردن، وتقدیر حجم الخسائر التي تكبّدها، ولا تزال آثارها ماثلة حتى یومنا هذا. المؤكد أن الحصیلة ستكون مرعبة وثقیلة. لكن مهما بلغ حجم الخسائر، فلن یعادل ربع ما سنتكبده في حال وقعت الحرب على إیران، لأننا أمام مواجهة كونیة بالمعاییر العسكریة والاقتصادیة والسیاسیة، ستهز وجود الدول والأنظمة.
كل ما تحتاجه واشنطن لضرب إيران، شرارة فقط، فالتسخين بلغ أقصاه، وبات الوضع بلا حاجة إلى تهديد بإغلاق مضيق هرمز، ولا خطف ناقلة نفط، ولا شيء من خطابات الحرس الثوري، فالشرارة الصغيرة كفيلة بكل ذلك. النظام الإيراني سارع إلى الحديث عن طرف ثالث يريد إشعال فتيل الحرب. ربما طهران بريئة فعلاً من عملية تخريب السفن الخليجية، وربما هناك طرف ثالث يريد لعقود الحرب الباردة أن تسخن، وفي أول يوم من الاعتداء على السفن الخليجية، خرجت تقديرات تذهب إلى وجود طرف ثالث فعلياً داخل النظام، وصفوه بالمتطرف جداً، أراد للحرب أن تندلع، أو رغب بدفع بلاده إلى خطوات أكثر جدية تواجه التهديد الأميركي، وإذا ثبت تورطها فعلاً، فالتقدير أنها تختبر مدى جدية واشنطن بعد أسبوع ساخن حيث يبدو بأن حملة تكسیر العظم بین إیران وأمیركا تزداد یوماً بعد یوم، حتى وصل الأمر إلى تبادل التهدید، فقد هدد وزیر خارجیة إیران محمد جواد ظریف الجانب الأمیركي، مُتحدیاً بأن إیران ستبقى تستخدم مضیق هرمز، لأنه المنفذ الوحید لها لتصدیر نفطها، ومؤكداً على أن إیران ستدفع بقوة إذا ما أغلقته أمیركا بوجه صادراتها النفطیة. 
قرع طبول الحرب مع الاعلان عن صفقة القرن، یضع الأردن امام تحدیات خارجیة وتعقیدات كبرى، لنشوء تحالفات تقودها الولایات المتحدة في تنظیم جهد إقلیمي لمواجهة إیران، ومن الصعوبة أن یكون الأردن بمنأى عن المشاركة في هذا الجهد، ومن غیر المعلوم على وجه الدقة، فیما إذا كانت لدیه قوات أمیركیة ذات طبیعة هجومیة أو لوجستیة، لكن بجمیع الأحوال، فإن التقدیرات الإیرانیة والسوریة تصنف الأردن كهدف، حيث يرى الإیرانیون بأن تأمین القوات الأمیركیة الموجودة في العراق وسوریا لوجستیاً، یبدأ وینتهي من وإلى الاردن، وهو بهذا المعنى مستهدف في عمقه العسكري والأمني والاقتصادي، وفقا للتحضیرات التي تجري على قدم وساق، وما یتم تداوله من منشورات شعبة الحرب النفسیة لفیلق القدس، وهذا ما یفسر الكثیر من الإجراءات العدائیة تجاه الاردن من قبل الأشقاء في سوريا، والمطلوب هنا أردنیاً، هو المحافظة على أمن واستقرار وثبات البلاد، للتصدي لأي تبعات سیاسیة وعسكریة وأمنیة لأي صراع محتمل.
وصلت رسالة إيران إلى واشنطن عبر بريدَي الإمارات والسعودية. واذ يبلغ التوتّر ذروته في منطقة الخليج، يحاول الإيرانيون اختبار نيات واشنطن والمتطرفين لدى حلفائها وفي إدارتها، وإفهام الجميع أنه لا يجب الذهاب بالمواجهة إلى خنقهم وحشرهم في الزاوية، عبر الذهاب بعيداً في سياسة الضغوط. يلمّح الأميركيون إلى أنهم لن يأخذوا رسائل إيران الأمنية الأخيرة على أنها هجوم، ما لم يطاول أي منها مصالحهم مباشرةً، ولا بأس بضرب الحلفاء. الطريق إلى خيار رد الفعل المتعقّل هذا يمهّد له غياب موقف أميركي يتهم طهران بالمسؤولية المباشرة عن عملية الفجيرة، عبر تسريبات تلقي باللائمة على متعاطفين مع إيران، أو وكلاء 
مجهولين. 
وفي كلمة خامنئي أمام مسؤولي السلطات الإيرانية، وصف الرجل المواجهة بأنها حرب إرادات، وقال: “هذه المواجهة ليست عسكرية، لأنه ليس من المقرّر نشوب أي حرب، ونحن لا نسعى للحرب، وهم أيضاً لا يسعون وراءها، لأنهم يعلمون أنها لن تكون في مصلحتهم”. ودعا إلى عدم التخوّف من التحركات الأميركية، قائلاً: تُسيّر القوى العظمى أعمالها بإثارة الصخب، لكن قدرتهم أقل بكثير. وفي جملة المواقف الإيرانية، الكلامية منها والعملية، مؤشرات على أن لعبة الضغوط الأميركية، يجب ألّا تتجاوز حدوداً حمراء، تطاول استقرار إيران وتهدد أمنها واقتصادها. وفي هذا الشأن، تتمسّك أوروبا برفض التصعيد، وهي أعلنت منذ اجتماع بروكسل، استعدادها لتطبيق الاتفاقيات مع إيران حول التبادل التجاري وآلية إينستيكس. ومن شأن ذلك أن ينعش المفاوضات المتعثرة بين الطرفين، التي تتضمّن اشتراط إيران عودة تصديرها للنفط إلى المستويات السابقة للعقوبات، 
 
وبعد، فانه قد يكتشف ترامب ومستشاروه أن التاريخ لن ينحني لإرادتهم. وبدلاً من محاولة الوصول إلى الهدف الذي لا يمكن تحقيقه والمتمثل في استسلام إيران، يجب عليهم أن يتجنّبوا خياراً آخر لحرب مكلفة. ويتطلب ذلك التراجع عن المطالب الكبرى، عملياً، قد يعني ذلك رفع العقوبات تدريجياً ووفق شروط. والسؤال هو ما إذا كان يمكن أن يجد ترامب طريقه للخروج من تصاعد المواجهة، إلى مفاوضات يكون فيها الطرفان رابحين.وماذا سيكون موقف عمان لو اندلعت تلك الحرب 
اليوم؟.